أهمية الصحة الإنجابية وضرورتها

تناقلت وسائل الإعلام مؤخراً تقريراً يُفيد بولادة طفل كل ساعة في أوساط اللاجئين السوريين في الأردن، وهذا مؤشر خطير على تفاقم الأوضاع المعيشية لأولئك اللاجئين، إضافة إلى الأوضاع الصحية السيئة التي يُعانيها الأطفال وعدم توافر العناية الصحية اللازمة لهم من لقاحات وأدوية وما شابه. إضافة إلى وضع الأمهات الصحي والمادي الذي لا يمكّنهن معه التمتع بالرعاية الكافية التي تؤهلهن للقيام بمسؤولياتهن تجاه أنفسهن وأطفالهن. كما أن تلك الزيادة السكانية مرعبة على كل المستويات بالنسبة للسوريين داخل البلاد وخارجها. وهذا ما استدعاني لعرض مفهوم الصحة الإنجابية وأهميته، بالاستناد إلى دراسة أعدتها الهيئة السورية لشؤون الأسرة حملت عنوان: (دور الرجل في الصحة الإنجابية).

تسلط هذه الدراسة الضوء على هذا المفهوم الذي بات شائعاً في العقود الأخيرة، وبالتالي صار من الضرورة بمكان إيلاء هذه الناحية أهمية خاصة من أجل الفرد والمجتمع معاً. فلنستعرض ما جاء في الدراسة:

 أخذ مفهوم الصحة الإنجابية اهتماماً واسعاً من المجتمع الدولي بحكوماته ومنظماته، بما فيها المنظمات والوكالات غير الحكومية، التي اتخذت إسهاماتها في هذا المجال أشكالاً عدة تجسدت إما في تقديم المساعدة التقنية أو المالية والمنح. وقد جاءت الأهداف الإنمائية للألفية لتعكس تطلعات الناس الأساسية لحياة أفضل من خلال سلسلة مختارة من الأهداف المحددة بالأرقام والأطر الزمنية الواضحة خلال الفترة الممتدة ما بين عامي1990- ،2015 فقد اتفقت البلدان على:

– خفض نسب الفقر والجوع إلى النصف.

– تطبيق التعليم الابتدائي على مستوى شامل.

– تعزيز المساواة بين الجنسين/ النوع الاجتماعي.

– خفض معدل الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة إلى الثلثين.

– خفض معدل الوفيات بين الأمهات إلى ثلاثة أرباع.

– مكافحة فيروس الإيدز والملاريا والسل.

– ضمان الاستدامة البيئية.

– بناء شراكة عالمية للتنمية.

وفي المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المنعقد بالقاهرة عام 1994 تبلور مفهوم الصحة الإنجابية الذي يعني الحصول على حياة جنسية مُرضية ومأمونة، والقدرة على الإنجاب، والحرية في تقرير موعد الإنجاب. ويؤكد هذا المفهوم دور المرأة والرجل معاً في وضع برامج الصحة الإنجابية وتنفيذها، مع التركيز على أهمية مشاركة الفئات الشبابية.

من هنا جاء تسليط الضوء على دور الرجل/ الزوج في مسائل الصحة الإنجابية، لاسيما ما يتصل منها بتنظيم الأسرة، فقد كانت معظم الدراسات السابقة تحصر تركيزها على المرأة بوصفها المستهدفة في برامج الصحة الإنجابية، والعنصر الأساس فيها. لكن الدراسة الحالية تؤكد ضرورة النظرة التكاملية إلى دور الزوجين معاً في مسائل الصحة الإنجابية، وعدم التركيز فقط على المرأة، بعد ما تبيّن أن للرجل دوراً أساسياً فيما يخص الوعي والسلوك الإنجابي للأسرة، الأمر الذي سيؤثر حتماً في حجم الأسرة الحقيقي أو المرغوب فيه، ومعدل الخصوبة، ومدى الإقبال على خدمات تنظيم الأسرة بشكل خاص، وخدمات الصحة الإنجابية للزوجين بشكل عام.

 وقد عرفت منظمة الصحة العالمية مفهوم الصحة الإنجابية على النحو التالي:

(الوصول إلى حالة السلامة التامة الجسدية والنفسية والاجتماعية والعقلية فيما يتعلق بجميع وظائف الجهاز التناسلي وعملياته). وبهذا المعنى تكون الصحة الإنجابية جزءاً هاماً من الصحة العامة التي تعكس المستوى الصحي لدى المرأة والرجل في سن الإنجاب، إضافة إلى حقهما في الحصول على خدمات الرعاية الصحية المناسبة التي تُهيّئ للزوجين أفضل الفرص في إنجاب وليد يتمتع بالصحة التامة.

المستهدفون في الصحة الإنجابية

– المرأة والرجل في سن الإنجاب، بهدف رفع مستوى الوعي الصحي لديهما.

– المراهقون من أجل تجنيبهم الأنماط السلوكية الضارة بصحتهم، وبالأُسر التي يشكلونها أو سيشكلونها، باعتبار هذه المرحلة حساسة وهامة في مراحل نمو الكائن البشري.

– الطفل بعد الولادة للحفاظ على صحته.

– النساء ما بعد سن الإنجاب، أو ما اصطلح على تسميته سن اليأس، للوقاية من الأمراض التي قد تصيب المرأة في هذه السن.

مراحل العمل في الصحة الإنجابية

تركز الفلسفة الحديثة في مجال الصحة الإنجابية على مفهوم الرعاية مدى الحياة، وهي تبدأ برعاية الجنين والطفل واليافع والشاب والمرأة الحامل أثناء الولادة وبعدها، فضلاً عن الخدمات المتنوعة للزوجين طيلة حياتهما الزوجية. وتشير الأدلة والأبحاث العلمية إلى أن الاستمرارية في الرعاية الصحية هي الأساس لضمان نواتج صحية سليمة ليس بالنسبة للسيدات وأطفالهن وحسب، بل لجميع أفراد الأسرة من الجنسين في مختلف المراحل العمرية.

تنظيم الأسرة

هو سلوك حضاري يسلكه الزوجان للتحكّم بمواعيد البدء بإنجاب الأطفال وعددهم، والفترة الفاصلة بين الواحد والآخر، ومتى يجب التوقف عن الإنجاب، كلٌ حسب ظرفه ومقدراته، وبموافقة الزوجين ضمن الإطار الصحي الذي يركز على صحة الأم والطفل. وعلى الرغم من الازدياد النسبي في استخدام وسائل تنظيم الأسرة، فان الإحصائيات الرسمية في العقود الأخيرة تشير إلى تحولات ديمغرافية نتجت عنها زيادات كبيرة في أعداد السكان، وتبدلات في خصائصهم الاجتماعية والاقتصادية والصحية. وبحسب تقديرات المكتب المركزي للإحصاء في سورية فقد ارتفع عدد سكانها من 5,4 مليون نسمة عام 1960 إلى ما يُقارب 22 مليون نسمة عام 2010.

فوائد تنظيم الأسرة

لتنظيم الأسرة فوائد عديدة على أفرادها، سواء تعلق الأمر بالأبوين أو الأولاد، أو بحجم الأسرة، فضلاً عن انعكاسه المباشر على خفض معدل الإعالة بما يستتبعه من فرص أفضل لتأمين ما يحتاجه الأبناء من رعاية واهتمام تتخطى تامين حاجاتهم المعيشية المباشرة. فالمباعدة بين الحمول بمعدل سنتين على الأقل يمكّن من:

1- تلافي خمس وفيات الرضع.

2- إنقاص وفيات الأمهات بمقدار الثلث.

3- إنقاص أمراض الأمهات المختلفة.

4- زيادة الاهتمام بصحة العائلة ورفع مستواها.

5- تلافي الحمول غير المرغوب فيها والتي تدفع السيدات إلى الإجهاض غير المشروع والآمن، مما يشكل خطراً عليهن.

العوامل المؤثرة في الصحة الإنجابية

تتأثر الصحة الإنجابية بعدة عوامل تشمل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية بما تتضمنه من متغيرات متنوعة مثل المستوى التعليمي للزوجين وعلاقتهما بقوة العمل والظروف المعيشية لأسرتهما. من هنا يمكننا تحديد مجموعة من العوامل المؤثرة في الصحة الإنجابية:

– تمكين المرأة من خلال زيادة فرص التعليم للفتيات وعلى الأخص في الريف مما ينعكس بشكل إيجابي على وضع المرأة في المجتمع، ويوسع مداركها وقدرتها على اتخاذ القرارات الخاصة بصحتها الإنجابية.

– الممارسات والسلوكيات التربوية الخاطئة المتعلقة بالنوع الاجتماعي، والتي يتخللها الكثير من التباينات، إذ قد يكون إنفاق الأسرة على الفتيات فيما يخص قضايا التعليم والتدريب المهني والرعاية الصحية أقل مما هو عليه لدى الذكور، وهذا ما يؤدي إلى تدني مكانة المرأة الصحية والنفسية، وتحكمها بحياتها الجنسية والإنجابية.

– يؤثر العنف في الصحة الإنجابية والجنسية بما يشمله من أشكال سوء المعاملة جسدياً وجنسياً ومعنوياً.

– تشكل العادات والتقاليد والمحرمات الخاصة بالحياة الجنسية عائقاً كبيراً أمام توفر المعلومات وتقديم خدمات الصحة الإنجابية.

– يُعد نقص الموارد البشرية والمالية والأنظمة الصحية والقوانين، إضافة إلى نقص الوعي بين عامة الناس، عائقاً يقف أمام تفعيل برامج الصحة الإنجابية.

دور الرجل في الصحة الإنجابية

اعترفت مؤتمرات السكان والتنمية في القاهرة وبكين بالدور الهام للرجال في تحسين الصحة الإنجابية، إذ غالباً ما يخضع الاستخدام المؤثر في وسائل تنظيم الأسرة، وحتى الاقتناع بالطريقة المختارة، لتأثير الرجال. لذا تُسهم مساندتهم في الاستخدام الأفضل للوسائل الأنثوية، كما أنه بالنسبة للعديد من الأزواج، فإن الوسائل الذكرية من الممكن أن تكون خياراً ممتازاً. كما أن إسهام الرجال بإيجابية في الوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً يُعد حاسماً من خلال استخدام وسائل الوقاية المتاحة.

وعلى العكس من الشائع بان الرجال لا يعيرون اهتماماً للصحة الإنجابية بكل أبعادها، فقد أشارت الدراسات إلى أنه عندما يعلم ويتعرف الرجال على وسائل تنظيم الأسرة، فإنهم يرغبون في استخدامها، وكلما زادت أعباء الأسرة الكبيرة الحجم رغبوا في عدد أقل من الأطفال. لذا من الممكن القول إن هناك رجالاً يشاركون في مسؤوليات الأبوة، ويقفون ضد استخدام العنف ضد المرأة، ولا يمانعون في تحمل مسؤولياتهم. لكن ذلك يحتاج إلى الكثير من الجهد على مستوى الأنساق الثقافية السائدة والبُنى الاجتماعية الراسخة بهدف تغييرها باتجاه أكثر عدالة وإنصافاً، وذلك من خلال مدخل النوع الاجتماعي الذي يشير إلى المساواة في الأدوار والمسؤوليات التي يحمّلها المجتمع للرجال والنساء، وهي الأدوار التي تؤثر في جميع أوجه الحياة.

آليات تفعيل دور الرجل في الصحة الإنجابية

– رفع الوعي لدى الرجال لتدعيم اختيارات النساء لوسائل تنظيم الأسرة، فأكثر أسباب إعاقة استخدام وسائل تنظيم الأسرة هو معارضة بعض الأزواج لها.

– زيادة الاتصال والحوار بين الزوجين، فعندما تُتخذ قرارات الصحة الإنجابية بمشاركة الزوجين تزداد عادة احتمالات تنفيذ تلك القرارات، ويصبح الرجال أكثر مساندة لزوجاتهم ومساعدتهن على تلقي خدمات الصحة الإنجابية عند الاحتياج لها.

– زيادة استخدام وسائل تنظيم الأسرة الخاصة بالرجال بما يخفف من عبء تنظيم الأسرة الملقى على عاتق النساء في الوقت الراهن.

– تحسين سلوك الرجال من أجل الوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً، مما يجعل ذلك أكثر وضوحاً في الوقاية من علاج تلك الأمراض، ولكي تصبح برامج الوقاية مؤثرة يجب تعليم الزوجين وعلاجهما.

– مواجهة احتياجات الصحة الإنجابية للرجال بحيث تكون سهولة الوصول إلى تلك الخدمات قضية من قضايا حقوق الإنسان للنساء والرجال على السواء، فللرجال مشاكلهم الخاصة بالصحة الإنجابية خارج نطاق خدمات تنظيم الأسرة والأمراض المنقولة جنسياً مثل العقم، وخلل الوظيفة الجنسية، وسرطان البروستات، وسرطان الخصية، وعدم وجود الخدمات التي تواجه هذه الاحتياجات يزيد من الضغوط والتوتر وفقدان احترام الذات بين الرجال.

– تشجيع الرجال ليكونوا أكثر إلماماً بالقضايا المتعلقة بالأسرة كتربية الأطفال، وتشجيع تعليم الذكور والإناث، وتقليل العنف ضد النساء والأطفال، وكذلك توفير الموارد اللازمة لتغطية احتياجات الأسرة، وهذه بمجموعها قضايا ثقافية معقدة ومتأصلة.

– التغلب على التحيّز، إذ تحتاج استراتيجية تكامل خدمات الرجال والنساء إلى العديد من العوامل كي تنجح، وبضمن ذلك معرفة مقدّم الخدمة بالقيم الشخصية لدى كل من المرأة والرجل فيما يختص بقضايا النوع الاجتماعي، وكيف يمكن ان تؤدي هذه القيم إلى التحيّز للرجال او النساء، ويكون هذا من خلال طرح عدد من العبارات التي يجيب عنها كل منهما من مثل: (يُتوقع من الرجل ألا يكون موجوداً عند ولادة طفله) في بعض الثقافات يُمنع الرجال من الحضور أثناء الولادة، بينما في أماكن أخرى يُشجع على وجود الرجل كطريقة لزيادة التقدير الأبوي لهذا الحدث الهام، كما يمكن أن يُسأل ما إذا كان استخدام المرأة لوسائل تنظيم الأسرة دون علم زوجها انتهاكاً للثقة بينهما. وهذا أيضاً يعكس مجالاً واسعاً من القيم والثقافة الشخصية التي تشكلها الخبرات الثقافية والتعليمية والمهنية التي تتأثر بوضوح بنوع الشخص.

إن النمو السكاني غير المتناغم مع نمو الموارد الوطنية، إضافة إلى التوجهات الجديدة في التنمية البشرية قد دفع بصنّاع القرار السوري إلى زيادة الاهتمام بالمسألة السكانية، والعمل على توفير خدمات الصحة الإنجابية المتكاملة. ومعلوم تماماً أن التصدي لعناصر المسألة السكانية لا يقتصر فقط على ضبط النسل أو تنظيمه، بل يتعدى ذلك إلى العديد من الإجراءات والسياسات التنموية الهادفة إلى تحقيق الحياة الكريمة والرفاه للبشر.

العدد 1107 - 22/5/2024