دول الخليج.. بين نشر الفوضى في المنطقة العربية والرُّعب من انتشارها خليجياً

لم يكن غريباً قرار بعض الدول الخليجية سحب سفرائها المعتمدين في قطر، ذلك أن الخلافات الخليجية الخليجية ليست جديدة، لا بل إنها بدأت وتعمقت مع ظهور كل دولة من دول الخليج، إلا أن ما يميز هذه المعضلة في العلاقات أنها كانت الأشرس عبر تاريخ هذه الدول، لاسيما أنها ترافقت مع حجم هائل من التأنيب والصراخ والعويل بين الوزراء المعنيين، قبل أن ينتهي الاجتماع بسحب السعودية والإمارات والبحرين لسفرائهم من قطر. والحقيقة أن هذا القرار لا يعبر عن أزمة طارئة بسبب (عدم التزام الدوحة بتعهداتها تجاه دول الخليج الأخرى) وفقًا لبيان الدول الثلاث، ولكنه يعكس قضايا خلافية عميقة في العلاقات بين قطر والدول الثلاث عامة، والسعودية على وجه الخصوص،  ويبدو أن المشكلة الأساسية التي أدت إلى ما أدت إليه من تأزم في العلاقات بين الدول الخليجية، لم تكن جديدة، فالمشاكل تعصف بالمجلس منذ تأسيسه سنة 1981 إلا أن ما أحدثه تفجير (الدية) في قطر، وموقف قطر من الكثير من القضايا العربية والخليجية، كان القشة التي قصمت ظهر البعير الخليجي الهزيل.

إذ تؤكد المعلومات أن اجتماع وزراء خارجية دول المجلس الذي أعقبه سحب السفراء، كاد أن ينتهي باقتتال بين الوزراء المشاركين، فالوفد القطري كان منزعجاً من الانفجار الذي ضرب قطر في 27 شباط 2014 وقيل وقتذاك إن سببه انفجار أسطوانة غاز أودت بحياة العديد من الأشخاص في قطر، وفي الاجتماع أظهر الوفد القطري معلومات تؤكد أن سبب الانفجار لم يكن أسطوانة غاز كما قيل، وإنما بسبب مجموعة إرهابية سلفية على ارتباط بالنظام السعودي، مع تسهيلات بحرينية لمنفذي التفجير، حسب المعلومات القطرية، الأمر الذي أشعل الجلسة، وجعل وزير خارجية البحرين يصرخ بأعلى صوته متهماً المخابرات القطرية نفسها بتفجير (الدية)، مشدداً على ضرورة محاسبة قطر لعبثها بأمن عدة دولٍ عربية ومنها البحرين. ويبدو أن الأزمة السورية فرضت نفسها على الاجتماع، فالسعودية فشلت في إدارة هذا الملف فشلاً واضحاً، ولم تقدر على إنهاء الصراع الدائر في سورية، بل على العكس تدهورت الأوضاع في الميدان بعد دخول جماعات مجهولة، في الوقت الذي حققت فيه قطر، حسب زعمها، نتائج ملموسة سياسية وعسكرية من حيث جمع شمل المعارضة السورية والمقاتلين المعارضين، فشعرت السعودية بالبساط يسحب من تحتها، وبالفارق الكبير بين الدبلوماسية القطرية في التعامل مع مثل هذه الملفات والدبلوماسية السعودية التي أخفقت، أيما إخفاق، في تحقيق أي تقدم يذكر في الملف السوري، بل أحدثت تراجعاً وتدهوراً كبيراً في هذا الملف. وفيما يتعلق بالاتفاقية الأمنية التي تحدث عنها البيان الثلاثي، فلم تكن سوى شماعة للاستهلاك الإعلامي، والحقيقة أن السعودية والإمارات طلبتا من قطر خلال الاجتماع الذي عقد في الرياض في الرابع من آذار الجاري والمخصص للتوقيع على الوثيقة التنفيذية للاتفاقية الأمنية (وثيقة مبادئ الرياض) مراجعة سياساتها فيما يتعلق بالشأن المصري، وفوجئ حضور الاجتماع بقيام وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بإلقاء خطاب طويل حمل اتهامات كثيرة لقطر ولقناة الجزيرة بدعم الإخوان المسلمين، فعرف المجتمعون أن الموضوع لا يتعلق بالاتفاقية الأمنية، وإنما بما تعتبره السعودية والإمارات اتهامات لقطر وسياستها الخارجية، كما طلبوا من قطر طرد أي شخص ينتمي للإخوان المسلمين وعدم تمكينهم من الظهور في الإعلام، الأمر الذي اعتبرته قطر تدخلاً في شؤونها، خاصة أن من يقيمون في قطر ليسوا مجرمين أو مطلوبين وإنما أناس فروا من قمع الانقلاب، وأن قطر لم تغلق أبوابها قط في وجه من يلجأ إليها طالباً العون والنصرة.

وتؤكد المعلومات أنه (مع بدء الربيع العربي، بدأ ما يمكن وصفه بتحالف الضرورة بين قطر والسعودية وبقية دول مجلس التعاون عموماً في مواجهة تداعيات الحراك الشعبي الذي كان يقترب من تخوم الخليج). ومع اندلاع الأزمة السورية، (شهدت العلاقة القطرية السعودية مرحلة غير مسبوقة من التعاون والتنسيق، في سياق مشروع دعم المعارضة بكل أشكالها لإسقاط النظام، في وقت كانت فيه قطر تواصل دعمها لحكومة الإخوان في مصر، ولم يكن ذلك مرضيًا للسعودية والإمارات). وثمة موقفان هما (الأخطر) في ملف العلاقة السعودية القطرية: الأول قطري، يتمثل بتسريب مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في كانون الثاني 2011 حول فكرة تقسيم السعودية، وفيها يتحدث الوزير حمد عن خطة (إنهاء السعودية على يده، وأن قطر موجودة وستدخل يومًا إلى القطيف والمنطقة الشرقية… وأن الملك عبد الله مسكين، مجرد واجهة، وأن الحاكم الفعلي هو سعود الفيصل، وأنه منتهٍ وستقسم بعده السعودية إلى عدة مناطق). ووصف بن جاسم النظام في السعودية بأنه (نظام هرم). وكشف عن أن (أمريكا وبريطانيا طلبتا منه تقريرًا عن الوضع في السعودية، وأعربتا له عن نيتهما في إطاحة النظام الملكي هناك، إلا أن ثمةَ خوفاً من البديل الذي سيكون إسلاميًا غير مرغوب فيه).الموقف الآخر، هو التصريح الاستفزازي الذي أطلقه رئيس الاستخبارات العامة في السعودية بندر بن سلطان حين وصف قطر بأنها (300 شخص وقناة، وهذا لا يشكل بلداً)، وجاء ذلك في وقت قررت فيه السعودية انتزاع الملف السوري من القطريين والأتراك معاً، ثم جاء ما يطلق عليه  (تخطيط وتمويل، ما أسموه، الانقلاب العسكري في مصر بغطاء شعبي في 30 يونيو 2013 ليسدد ضربة قوية لحليف قطر، أي الإخوان)، ودخول الحكم الجديد بمصر في خلافات مع قطر، على خلفية وقوفها مع الرئيس المخلوع محمد مرسي وحكم الإخوان عموماً. وثمة تقارير خليجية تؤكد أن قطر عملت على تهيئة مناخات لضرب الاستقرار في المنطقة، وأنها كانت تتهيأ لنقل موجات الربيع العربي إلى منطقة الخليج، في حال تمكنت قوى الإسلام السياسي في مصر وتونس وليبيا وسورية من إحكام سيطرتها على الأوضاع في تلك الدول. وتقول التقارير إن تحرك الإخوان في الدول الخليجية كان جزءاً من المخطط الشامل للمنطقة، وأنه لولا نجاح القوى المدنية في مصر وتونس من فرملة القوى الإسلامية، وثبات الدولة السورية في وجه خصومها المدعومين بقوة إخوانياً وسلفياً، لبدأ تنفيذ ذلك المخطط في منطقة الخليج. مؤكدة أن الهدف القطري في منطقة الخليج هو العمل على تقسيم دول المنطقة، لتتلاءم أحجامها مع الحجم الجغرافي لقطر. وأن قطر كانت أكبر المعارضين لفكرة الاتحاد الخليجي كصيغة متطورة لمجلس التعاون. والحقيقة أن امتناع الدوحة عن مقابلة قرار سحب سفراء الدول الخليجية من قطر، بقرار مماثل ما هو إلا محاولة للظهور بمظهر الطرف المتماسك القادر على امتصاص الصدمة وتجاوزها، وتذهب مصادر خليجية مطلعة إلى  أن قرار الدول الثلاث قد يكون مقدمة لقرارات أخرى تتضمن عقوبات اقتصادية على قطر، من بينها تشديد الإجراءات الجمركية على حدود قطر مع الدول الثلاث، فضلاً عن منع تحليق طائرات الخطوط القطرية من التحليق في الأجواء المجاورة، وأوضحت أن هذه الإجراءات ممكنة في ظل تمادي قطر وإقدامها على تهديد الأمن القومي للمحيط الخليجي والعربي، ومحاولاتها الاستقواء بالقوى الخارجية التي تتطلع للهيمنة على المنطقة.

أخيراً بقي أن أقول: إن الحرب العلنية بين الدول الخليجية المؤثرة وقطر انتقلت من السرِّ إلى العلن، وما صدور القرار الملكي السعودي الذي اعتبر حركة الإخوان وداعش والنصرة  وغيرهم حركات إرهابية، إلا حلقة من حلقات  هذا النزاع، ومن غير المستبعد أن تُقْدم الرياض وغيرها من دولٍ خليجية على إغلاق مكاتب الجزيرة واعتبارها قناة إرهابية، لاسيما أنها مافتئت تستضيف قيادات الإخوان صباح مساء على شاشاتها، ومن الممكن جداً أن يكون لها موقف مختلف مما يسمى (الائتلاف السوري) الذي يشكل الإخوان ركناً أساسياً من أركانه.

العدد 1107 - 22/5/2024