ولن تقوى عليها أبواب الجحيم..

في بداية الأزمة سألني أحدهم قائلاً: (وأنتو شو بدكن تبقو بهالبلد؟) غامزاً من أني فتاة مسيحية! أما أنا فأجبته جواباً بقيت أعيده دائماً عندما يتكرر هذا السؤال: (المسيحيون السوريون أصلاء وشركاء في الأوطان)، عندئذ، تعجّب من هدوئي الواثق وارتبك وغيَّر الموضوع.

لطالما كانت مواضيع الأقليات ذريعة للتدخلات الأجنبية، وهي ورقة يُلعب بها في الأزمات والمحاكمات الانتخابية.

وأما عنا، نحن السوريين المسيحيين، فنسبتنا تتناقص يوماً بعد يوم لتُعَدل باستمرار وتلصق بالتقارير الصحفية لتكون مادة دسمة لجذب الانتباه ودق ناقوس الخطر. ونخاطب بـ(أقليات) مرة و(مكون من  مكونات الشعب) مرة أخرى، للمجاملة أو لمراعاة المشاعر أو للضرورة الديبلوماسية.

اللعب على التعابير لا يهم لكن الأهم في اعتقادي هو الحقيقة التاريخية، فنحن بوصفنا مسيحيين عرباً لسنا أقلية وجدت على شاطئ البحر، أو دخلت من أطراف البلاد وتم استقبالها من باب الإنسانية.

فالوجود المسيحي في هذا الشرق ضاربٌ في القدم، أضف إلى أنه عبر الأزمنة أثبت نوعيته، ونخبويته، والأهم وطنيته الخالصة. وكان فعالاً جداً، رافعاً لمجتمعه، مشاركاً بحضوره و عمله، عاش جنباً إلى جنب مع كل مكونات المجتمع السوري أيام عز وأيام محن.

إن الأزمة الراهنة كانت محكاً لوطنيتنا جميعاً بكل انتماءاتنا وأدياننا وطوائفنا، وأيضاً كانت محكاً واختباراً لتجربة عبشنا المشترك. لكن كلمة (العيش المشترك) باتت تزعجني وكأننا عدوان متنافران نحاول أن نجد مخرجاً وحلاً لوجودنا معاً بالتي هي أحسن!

المسلمون والمسيحيون في هذا البلد عاشوا منذ زمن بعيد حياة مشتركة، وهي أبعد و أعمق تعبيراً وهي تشد العلاقة وتدفعها نحو الأمام و تزيد عمرها عمراً وعمقها غوراً.

طبيعي وكردة فعل أولى أن يعود الإنسان إلى انتماءاته الضيقة، في الأزمات والنكبات، فنحن بشر، لكن علينا أن ننتبه و نعي جيداً أن واجبنا نحو وطننا أن نعود إلى انتمائنا الأوسع والأشمل، انتمائنا إلى الوطن، ولنتحرر من عقدنا الطائفية!

فالكل يهيئ نفسه لمرحلة ما بعد الحرب، مرحلة إعادة البناء، بناء البلد وبناء الإنسان. البناء الأول يلزمه المليارات من الدولارات، فهذا معروف. أما البناء الثاني فيلزمه تغيير شيء ما بداخلنا، تغيير، واعذروني على قسوتي، تغيير لنتجاوز الإعاقة في طريقة تفكيرنا، وفهم تجربة حياتنا المشتركة، وضعوا خطين تحت كلمة إعاقة.

 لأننا، كما قال غبطة البطريرك يوحنا يازجي: (نحن وإخوتنا المسلمون رئتان لجسد واحد، إن اعتل عضو تداعت إليه سائر الأعضاء. نحن ومسلمو هذه الأرض لا نتقاسم فقط وجوداً مسالماً بل بوتقة واحدة تصهر الجميع في المواطنة والغد المشرق). وضعوا خطين تحت كلمتي المواطنة، والغد المشرق.

لذلك علينا أن نتشجع و نستمر بصداقاتنا الجميلة و تعاوننا المثمر وأن ندرك جيداً أننا  نحن السوريين  لسنا إلا ورقة يلعب بها في لعبة كبيرة كبيرة وأكبر من إدراكنا و هل تصدقون؟

إن ما حصل بالغالية سورية مُفجع وأكبر من توقعاتنا، ولكن علينا ألا  نخاف مهما حصل، لأن سورية هي كما الكنيسة، مؤلفة من  جماعة من المؤمنين، وبهذا المعنى  لن تقوى عليها أبواب الجحيم.

العدد 1105 - 01/5/2024