الشمس ستشرق من جديد

لم أكن أفكر في يوم من الأيام بأني سأستطيع أن ألمس جراحي القديمة دون أن أتألم، لم أكن أعلم بأني أصبحت جسراً تعبر الطيور من فوقي بعجلة، بعد أن رمت عليّ بمصاعب الدنيا كلها، فتمزق من أحشائي وتطير بعجلة وكأنها لم تأتِ، فأبقى أنا الجسر المعلق بين الحاضر والماضي، بين الماضي والمستقبل، بين الحب والكره، بين الفرح والحزن..

هكذا أنا! الحياة عندي مجرد ذكريات، سعيدة تارة، وحزينة تارةً أخرى، وما تبقى إلى زوال أبدي. فأنا لا أريد البحث عن حقيقة في عالم من الخيال قد بنته قصصي الممزوجة بالأحلام..

في كل يوم في الماضي كنت أكتشف شيئاً من ذاتي لم أكن قد عهدته من قبل، فأسرع وأدوّنه على بعض الأوراق، لأنسج منه ذكرى تبقى خالدة في مذكراتي اليومية، لعلي أعود إليها في يوم من الأيام. ولعلي قد تناسيت عبثاً بعض الأحداث الأخرى مخفية إياها عن نفسي، خوفاً من مناقشتها، لما تحمله من ألم وفراق أحياناً ولقلة الأهمية في أحيان أخرى.. نعم، وقتذاك كانت تستوقفني الوجوه الجديدة، كنت أستطيع أن أقرأ في الوجه ما عجز حتى صاحبها عن معرفته أو الشعور به، ولعلي لم أستطع أن أجد الشخص الذي يشبع أحلامي من بين تلك الوجوه بمائدة حقيقية يصنعها هو بنفسه. ولكن لمسة الحزن تلك قد أثارت مخيلتي عندما وجدتها على تلك الوجوه، فهي الشيء المشترك الوحيد بينها هذه اللمسة تثير في نفسي الخوف، فأركض مسرعة لأرى وجهي في المرآة، هل وجدت لمسة الحزن الأبدية تلك أم لا؟

في ذلك الوقت كنت قادرة على النسيان، وعلى الحب، وعلى الكره في بعض الأوقات، ولكن كان كله في الماضي، فقد دخلت الآن إلى الحياة الحقيقية بعيدة عن فرح الأحلام والذكريات، فالجراح التي صنعتها زلة القدر في الماضي لم تستطع أن تلتئم، فوضعت حداً للماضي، لأستقبل القادم متحدّية إياه بكل ما أوتيت من عزم وقوة، فمهما اشتدت قساوة البرد والزمهرير فلا بد للشمس أن تشرق، وكل ما مرّ عليّ في تلك السنوات السابقة من تعب وألم، في أوقات مختلفة، عاد يتكرر، ولكن في وقت واحد، وأنا مستعدة للتحمل، فالحياة موجودة مع وجود الأمل وشمس الحقيقة ستشرق وستمدّني بالأمل، وهذا هو المهم!

العدد 1107 - 22/5/2024