ترشّح المشير عبد الفتاح السيسي… بين المؤيد والمعارض

ماذا يريد المواطن المصري من الرئيس القادم؟

بعد أن حوّلت جماعة الإخوان المسلمين أحلام وآمال قطّاعات واسعة من الشعب المصري إلى أحلام مزعجة وكوابيس مرعبة، يأمل هؤلاء أن يتمتع رئيسهم الجديد بتأيد شعبي واسع، وأن يكون حازماً ومدركاً لحجم المشكلات والتحديات التي تواجهها البلاد، وقادراً في الوقت ذاته على معالجتها بحزم وبجدية. ويرى هؤلاء أنه لا بد للرئيس أن يطرح برنامجاً واضحاً، يحظى بتوافق وطني، ويكون معبراً عن آمال المصريين وطموحاتهم، ويحقق مطالبهم التي رفعوها في ثورتي 25 كانون الثاني و30 حزيران والتي كانت (عيش، حرية، عدالة اجتماعية).

الرئيس المصري العتيد سيجد أمامه جملة من التحديات الداخلية، عليه أن يشحذ كل همّته ووطنيته وقوة شكيمته ليتجاوزها، كي يعبُر بمصر إلى بر الأمان. لهذا كانت المطالبة الشعبية برئيس قوي، يمكنه أن يمسك البلاد من ناصيتها، وأن يلّجم الإخوان.

أول التحديات هي المصالحة الوطنية، التي سترد المواطن إلى وطنه، وستعيد الوطن إلى قلوب كل المواطنين. فالمصالحة مطلوبة، والإقصاء غير وارد، وخصوصاً إقصاء التيار الإسلامي، إلا من تلوثت أيديهم بدم المواطنين ورجال الشرطة والجيش، أي لا مصالحة مع الإرهابيين، فهؤلاء لن يجدوا أمامهم إلا المحاكمة، ويجب أن تكون عادلة.

وهذه المصالحة كفيلة بإعادة الاستقرار والأمان إلى الربوع المصرية، ما سيساهم حينئذ باستقطاب الاستثمارات الأجنبية الكبيرة، لتعود إلى سابق تدفقها نحو مصر، كما ستنتعش السياحة وكل القطاعات المتصلة بها، ما سيُكسِّب مصر دخلاً كبيراً سيرفد نموها الاقتصادي.

والمصريون، إذا توفرت الثقة في شخص الرئيس القادم، لن يقوموا بثورة ثالثة، وقد يتحملونه بخيره وشره.

ويُشكِّل ملف حقوق الإنسان في مصر تحديّاً لا مفر أمام الرئيس الجديد من مواجهته، لأنه مصيري في ظل تردي أجهزة الدولة، وارتفاع سقف تطلعات المصريين، خصوصاً أنه متصل اتصالاً وثيقاً بملف الأقليات المصرية، من أقباط ويهود وبهائيين وبدو وشيعة.

والرئيس العتيد مطالب منذ بدء ولايته الدستورية بتحقيق استقلال القضاء، وتغيير قانون الإجراءات الجنائية، وقانون الأحزاب السياسية، وقانون الصحافة، وقانون العقوبات، وقانون الجمعيات، وقانون الأحوال الشخصية، وقانون النقابات، وقانون الهيئات القضائية المختلفة، وتأسيس مجلس قومي للثقافات المحلية، يحافظ على اللغات المحلية من الاندثار، ويمنع تعرض الأقليات للتهميش والإقصاء، في ضوء اعتراف الدستور الجديد بالثقافات الموجودة في مصر.

أما على الصعيد الخارجي، فيبدوا أن ملف سدّ النهضة سيكون الملف الأهم والأخطر الذي يتعّين على الرئيس المصري القادم أن يتعامل معه لما يُمثّله من تهديد خطير ومباشر لأمن مصر القومي، التي تُعتبر مركز التوازن والاستقرار في العالم العربي.

وليس خافياً أن (إسرائيل) منذ قيامها، تضع ضمن أولوياتها الاستراتيجية في الصراع العربي – (الإسرائيلي)، النفاذ إلى العمق المصري في إفريقيا، وخلق وجود لها، يمكنها من خلاله أن تُثير من وقت لآخر، أزمات تشتت قدرة الحكومة المصرية على تحقيق الاستقرار والنمو، وذلك بالتوجه مباشرة نحو شريان الحياة في مصر (نهر النيل)، والضغط بشراسة، على منطقة القلب من العالم العربي.

ترّشُح السيسي ودور الجيش في الحياة السياسية في الشرق الأوسط

نظرية (المسلك الطبيعي) التي وضعها جان جاك روسو توضّح دور القوات المسلحة في الحياة السياسية وتُفسّره، فالبيان رقم (1) في أي انقلاب ينصّ على، أن الجيش اضطر للتدخل لوضع حد نهائي للفوضى الاجتماعية والسياسية. هذه النظرية تضعنا أمام ثلاثة افتراضات وهي:

1- وجود أزمة عميقة في المجتمع لا يمكن تجاوزها إلا عن طريق الانقلاب العسكري حتى يتمكن المجتمع من عبور هذه الأزمة.

2- لا توجد قوة قادرة على إجراء هذا التغيير (باستثناء الجيش).

3- الجيش لديه القدرة على قيادة هذا التغيير والعبور بالمجتمع إلى بر الأمان.

وهذا يعني، أن القوات المسلحة تتدخّل في ظروف وجود أزمة – مأزق، وغياب القوى الأخرى في المجتمع التي يمكنها إحداث التغيير أو ضعفها، وقدرة القوات المسلحة (وحدها) على إحداث هذا التغيير.

هذا التدخّل ودرجته (الحكم المباشر، الوصاية، ممارسة دور سياسي) يرتبط بطبيعة تكوين القوات المسلحة وعلاقتها بالمجتمع والدولة.

مصحوباً بشعبية جارفة ومحاطاً بآمال وطموحات واسعة تتجاوز حتى معطيات الواقع، وما هو متاح له لتحقيقها، أعلن وزير الدفاع المصري السابق المشير عبد الفتاح السيسي رسمياً يوم الأربعاء 26 آذار 2014 ترشحه للانتخابات الرئاسية المرتقب إجراؤها في مصر في 26 و27 أيار، لينهي جدلاً طال حول ما إذا كان الرجل اتخذ قراره بالترشح للمقعد الرئاسي، أم أنه سيظل في موقعه في قيادة الجيش، ليبدأ حديث جديد عن المنافسة في الانتخابات المرتقبة التي قد تنحصر بين المشير السيسي وبين مؤسس التيار الشعبي حمدين صباحي.

لا يخفي المصريون رغبتهم الشديدة في أن يقود بلادهم شخص يتمتع بالقوة والحزم ويمتلك الخبرات القيادية، وهم في ذلك بعيدون تماماً عن السجالات التي تتحدث عن الرئيس (العسكري) والرئيس (المدني)، فالمكانة التي يحتلها الجيش في قلوب المصريين وذاكرتهم، فضلاً عن الأوضاع الأمنية المضطربة والمعاناة من الإرهاب وانعكاسات ذلك على تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية خلال السنوات الثلاث الماضية، ترجّح انحياز الغالبية العظمى من المصريين للمشير السيسي.

ردود الفعل

تباينت ردود الفعل في مصر على إعلان وزير الدفاع، عبد الفتاح السيسي، استقالته وترشحه لرئاسة الجمهورية. فقد احتفى أنصار السيسي بالخبر، ودعا المستشار رفاعي نصر الله، منسق حملة (كمّل جميلك) الداعمة لترشح السيسي، إلى مظاهرة (مليونية) للاحتفال بقرار الترشح.

بالمقابل، استنكرت الأمر جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبر عزل الجيش لمرسي في تموز 2013 وسط مظاهرات شعبية منددة بحكمها (انقلاباً) على الشرعية الدستورية. أما السياسي اليساري حمدين صباحي، الذي يعد المنافس الأبرز للسيسي في الانتخابات، فقال في تغريدة على صفحته الرسمية بموقع تويتر إنه يرحب باعتزام السيسي خوض الانتخابات. وكتب قائلاً: (أرحب بترشح السيد عبد الفتاح السيسى… نسعى لانتخابات ديمقراطية نزيهة شفافة تضمن حياد الدولة وحق الشعب في اختيار رئيسه بإرادته الحرة).

واعتبر حزب الدستور الليبرالي أن (من حق المشير السيسي الترشح كمواطن مدني وذلك بعد أن قرر الاستقالة من منصبه العسكري). وقال المتحدث باسم الحزب، خالد داود، في بيان إن حزبه سينحاز لاختيار مرشح من (المعسكر المدني) يكون قد (شارك في الثورة، ومن المؤمنين بالمسار الديمقراطي، وأقرب لتمسكنا بمبادئ العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان).

وقال رفعت السعيد، رئيس المجلس الاستشاري لحزب التجمع اليساري، إن خطاب المشير السيسي الذي أعلن فيه ترشحه للرئاسة (صنع ثورة جديدة وبعث الأمل في الأمن والاستقرار والقضاء على الإرهاب وحدد أهدافاً، ووعد بأنه لن يسمح لأحد أن يفرض الإرهاب على الشعب المصري).

وأشاد بيان صدر عن حزب المؤتمر بخطاب المشير السيسي، وقال الحزب إنه (تحدث بشفافية عن الواقع الحالي للبلاد والظروف الصعبة التي نمر بها)، مسجلاً أن السيسي (لا يستطيع فعل المعجزات وحده، وأنه سوف يكون في مقدمة الشعب، وأن تعهده بإعادة الأمن والاستقرار للشعب في مواجهة الإرهاب يوحي بالأمل والثقة). كما رحب حزب الوفد بترشح السيسي للرئاسة، وقال محمود سيف النصر، القيادي بالحزب، إن (السيسي هو الرجل المناسب في المكان المناسب)، وطالب الشعب بالوقوف خلفه خاصة في هذه المرحلة العصيبة التي تمرُّ بها مصر.

وتشعر طبقات كثيرة من الشعب المصري خاصة الطبقات الفقيرة والمهمشة بانحياز السيسي لطموحاتهم وآلامهم. يقول أحمد، وهو بائع متجول مستبشراً بترشح السيسي: (البلد تعب من الإرهاب والفوضى والفساد والحال واقف، نريد رئيساً يشعر بنا وينقذنا، يُشعرنا بأننا بشر ولنا حقوق في هذا الوطن، بعد أن أصبحت حياتنا في الحضيض. نريد رئيساً للغلابة، نثق فيه، ويحقق مطالبنا البسيطة في هذه الحياة. وبإذن الله آمالنا قوية في المشير السيسي).

العدد 1105 - 01/5/2024