اليمين الكاذب في القانون

شهد المجتمع الإنساني خلال تطوره أنماطاً من القواعد والأعراف لتنظيم علاقات الأفراد والمجتمع، وتحولت تلك القواعد العرفية إلى رادع ذاتي، ثم تطور بعد ذلك إلى قواعد قانونية ملزمة أملتها حركة المجتمع ومستوى تطوره، بتقنينها على شكل قوانين تعالج أوضاع المجتمع وتحسم النزاعات، وصولاً إلى مبدأ سيادة القانون. فحلف اليمين من الظواهر الاجتماعية القديمة التي لجأ إليها الإنسان في حسم نزاعاته، فهو عمل ديني ومدني في آن واحد، فالحالف يستشهد الله على صحة ما يقول، لأنها الوسيلة لتجاوز فقدان الدليل في المرافعات إذ يصار إلى الاحتكام إلى الذمة والضمير، وبناء على ذلك أصبحت وسيلة مهمة من وسائل إثبات الحق، تترتب عليها نتائج تؤثر في استقرار المجتمع ورسوخ قيم الحق والعدالة. عرّفها التشريع السوري: اليمين وسيلة من وسائل الإثبات. وقد تناولها في قانون البيّنات الباب السادس المادة 117: (لا تكون اليمين إلا أمام المحكمة ولا اعتبار بالنكول على اليمين خارجها) وهذه اليمين التي تحلف قد تكون صادقة أو كاذبة. فاليمين الكاذبة تعتبر جريمة من الجرائم التي يتناول ضررها المجتمع لما تسببه من عرقلة لسير العادلة في المحاكم وأضرار كبيرة بضياع حقوق الأفراد، وأثر كذب اليمين جاءت بالمادة 120 بيّنات التي نصّت:

(1- توجيه اليمين يتضمن التنازل عما عداها من البينات إلى الواقعة التي ترد عليها، فلا يجوز للخصم أن يثبت كذب اليمين بعد أن يؤديها الذي وجهت إليه أو ردت عليه).

(2- على أنه إذا ثبت كذب اليمين بحكم جزائي، فإن للخصم الذي أصابه ضرر منها أن يطالب بالتعويض دون إخلال بما قد يكون له من حق في الطعن على الحكم الذي صدر ضده بسبب اليمين الحاسمة).

كما نصت المادة /405/ من قانون العقوبات بأن (من حلف اليمين الكاذبة في مادة مدنية عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، والغرامة مئة ليرة سورية)، فاليمين الكاذبة يمكن أن تؤدى في دعوى مدنية ينظر فيها القضاء المدني أو الشرعي أو إحدى اللجان ذات الصبغة القضائية كلجنة تحديد الأجور.

 أما اليمين التي تؤدى أمام القضاء الجزائي فإنها تندمج مع الشهادة الكاذبة والحنث فيها هو سبب العقاب. فالحالف باليمين الكاذبة يشهد بالله يقول (والله) ثم يذكر الصيغة التي تقررها المحكمة، وليس من الضرورة لصحة اليمين وضع يده على كتاب مقدس.

أركان جريمة اليمين الكاذبة:

1- أن تؤدى هذه اليمين أمام القضاء.

2- أن تكون اليمين كاذبة.

3- القصد الجرمي.

ولا فرق إن كانت يميناً حاسمة أو متممة أو استظهاراً.

اشترط المشرع للعقوبة عدم الرجوع عنها قبل البت في الدعوة التي كانت موضوع اليمين بحكم مبرم، وخص المشرع السوري النيابة العامة وحدها بالادعاء بجرم اليمين الكاذبة بناء على إخبار وليس ادعاء شخصي يقدمها من تضرر من اليمين، وللنيابة حق إثبات كذب اليمين، وللمتضرر من اليمين الكاذبة أن ينتظر نهاية الدعوى الجزائية بحكم قطعي بإدانة المدعى عليه بالعقوبة حتى يحق له المطالبة بالتعويض أمام المحكمة المدنية حسب المادتين 164و222 مدني وهذا التعويض قد لا يعادل قيمة الضرر المادي أو المعنوي وقد يكون أدبياً أيضاً، والحكم الجزائي القطعي لا يؤثر على الحكم المدني المبني على اليمين الكاذبة لتمتّعه بقوة الشيء المقضي به، على أن ذلك لا يحول دون الطعن بهذا الحكم بإعادة المحاكمة مادة 241- أصول محاكمات مدنية على اعتبار اليمين الكاذبة مبرراً قوياً لإعادة المحاكمة لتحقيق انسجام وتوافق الحكم المدني مع الجزائي. فالحكم المستند على اليمين الكاذبة لا شك أن يكون حكماً بلا سبب ولا يتفق مع الأسس الحقيقية التي توجب أن تكون الحكام مبنية على أسباب قانونية صحيحة فإذا انتفا السبب انتفا الحكم تبعاً له، وعلى هذا لا بد من اعتبار الحكم الجزائي المتضمن ثبوت اليمين الكاذبة سبباً لإعادة المحاكمة. وأيضاً عدم السماح لطالب توجيه اليمين بإثبات كذبها، ومنعه من الدخول في الدعوى العامة مدّعياً في الحق الشخصي لا يتفق وروح العدل، وفيه إخلال بالمنافع العامة.. ولأن المشرع السوري أخذ بالحسبان طبيعة النفس البشرية الأمّارة بالسوء، فالمعالجة لم تكن بمستوى الضرر المتحقق من اليمين الكاذبة  فلا يتردد ذوو النفوس الضعيفة تحت دوافع الجشع وقلة الإيمان عن أداء اليمين الكاذبة، فمن خلال مجريات القضاء والدعاوى في المحاكم فإن تطبيق ذلك يكون محدوداً مما دفع بضعاف النفوس إلى سلب حقوق الناس وإضاعتها تحت عامل الثقة، باستغلال المدعي الذي فقد الدليل الكتابي (سنداً أو إيصالاً أو عقداً موثقاً). وهذه الجريمة تتعدى الحقوق الشخصية إلى حق المجتمع، لأنها، تؤدي إلى انتشار السلوكيات الفاسدة وفقدان العدالة، وعلى ذلك وجب فتح باب الإثبات بالبينة الشخصية والتوسع في قبول شكاوى المواطنين المتضررة حقوقهم، لكبح جماح النفوس المسيئة التي لا تتورّع عن ارتكابها.فالمادة 120 من قانون البيّنات كانت حماية لضعاف النفوس، فالأجدر بالقانون أن يحمي ويصون الحقوق للمتضررين.

العدد 1105 - 01/5/2024