«أرضي زغيرة متلي زغيرة.. ردوا لها السلام»!

هذا الأسبوع وفيما كنت أرتب مكتبتي وقع بين يدي مصنف فيه بروشورات، رسومات، لوائح تواصل، برامج أنشطة، مصنفٌ متعلق بعملي السابق مع إحدى المنظمات الدولية.

كنت أعمل ضمن مشروع تعليمي تربوي للأطفال مع فريق عمل نشيط ومبدع .كان مشروعاً كبيراً بالشراكة مع وزارة التربية واليونيسف والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

توسع المشروع ليضم ما يقارب 15 مدرسة في ريف دمشق، والمهم أن جزءاً من المشروع كانت فكرته العمل على خلق بيئة آمنة وحافزة للأطفال وفق 10 معايير حددتها منظمة اليونيسيف.كنا نعمل بحماس كبير، بطاقة متجددة وتواصل مباشر مع أطفالنا بالمدارس.و لكن اليوم غمرني حزن كبير لأننا اليوم بوادي – كما نقولها بالعامية – وقبل عامين كنا (بوادي) آخر تماماً.

أية طفولة هذه أم أية بيئة آمنة وحافزة بل وأي مدارس!! فاليونسيف نفسها تصرح بتقريرها الأممي الأخير (لا لضياع جيل بأكمله) بتسرب أكثر من 3 ملايين طفل من المدرسة وتخلف آلاف الأطفال عن الالتحاق بالدراسة.

كما أن واحدة من بين كل خمس مدارس في سورية أتلفت أو دمرت أو استخدمت لأغراض أخرى، وبلغ الضغط الذي تتعرض له الأنظمة المدرسية في الدول المضيفة نقطة الانهيار في كل من لبنان، الأردن، العراق، تركيا ومصر. أضف إلى المخاطر العديدة المتمثلة بالعنف والأمراض المهددة للحياة وعدم توفر الغذاء ومياه الشرب المأمونة.

أرقام مذهلة ومعطيات تلخص مأساتنا وتدق ناقوس الخطر!طفلنا السوري اليوم يا أصدقائي انكسر، كسره التهجير، كسره العنف، كسرته الفوضى، أصبح ضائعاً واختلطت عليه أمور كثيرة وخاب أمله برموز كثيرة كان يؤمن بها يوماً.أي حب أو كره للوطن سيكبر فيه؟ مدرسته أصبحت ملجأ فوضوياً رائحته نتنة كالحرب، أو ربما اضطر للدراسة في مدرسة بديلة وموطن بديل.

 فمن المسؤول عن تأمين أيامه وأحلامه وحقوقه المشروعة في التعليم والصحة والأمان والعيش الكريم؟

نخجل من أطفالنا ومن تدهور ظروفهم وحياتهم والخلل الذي أصاب مسيرة نموهم الطبيعية، فهم أكبر ضحية لما يحصل.فالحرب وظروفها القاسية أقسى من عودهم الطري، ومناظر الدماء والجثث والآليات العسكرية أصبحت تشوش براءتهم الناعمة.و هنا أتذكر أغنية للأطفال، غنتها ريمي البندلي، وكأنني أريد أن أصرخ صرخة باسم أطفال سورية جميعاً تقول كلماتها: (يا عالم أرضي محروقة، أرضي حرية مسروقة، أرضي زغيرة متلي زغيرة ردوا لها السلام).

 وأخيراً، الكل يتكلم عن تضافر الجهود الإقليمية والدولية لإعادة بناء سورية وهذا جيد، ولكن قبل ذلك، ربما علينا أن نعيد بناء ذواتنا ونساعد شبابنا وأطفالنا على ذلك، علنا نمنحهم نوراً ورجاء جديداً يشد من عزيمتهم، فوجوههم الجميلة لاتزال تبشرنا بالخير القادم لبلدنا، بالرغم من كل ما يحصل وكلنا أمل بهم وبطاقتهم الهائلة.

العدد 1105 - 01/5/2024