من الذاكرة السياسية: عبدالناصر.. والعمال العرب.. وأمريكا

في عام 1960 وخلال رئاسة الرئيس الراحل جون كيندي للولايات المتحدة الأمريكية، حدثت حادثة لم تستغرق أكثر من ست وثلاثين ساعة من بدايتها إلى انتهائها، فقد قام اللوبي الصهيوني بمدينة نيويورك بالتأثير على نقابة عمال الشحن والتفريغ بميناء المدينة ليقاطعوا شحن السفن المصرية وتفريغها في الميناء، للضغط على مصر حتى تقبل الصلح مع إسرائيل وتكف عن شحن العالم الثالث وكتلة عدم الانحياز ضد الكيان الصهيوني الغاصب، واقتنعت النقابة التي كان يسيطر عليها اليهود بمنطقتهم وأصدروا قرارهم.

وفي اليوم التالي مباشرة وصلت سفينة شحن مصرية تسمى (كليوباترا) إلى الميناء تحمل شحنة من الغزل والمنسوجات والملابس الجاهزة، على أن تعود إلى مصر محملة بثلاثين ألف طن من القمح الأمريكي الذي كنا نسدد ثمنه بالعملة المصرية طبقاً للقانون 480 وقد خطط الصهاينة توقيت المقاطعة بحيث يسبب أزمة في رغيف الخبز في مصر، فلما علم ربان السفينة بالأمر اتصل بقنصل مصر في نيويورك ووفدها في الأمم المتحدة الذي أبلغ وزير الخارجية في مصر الدكتور محمود فوزي الذي اتصل بالرئيس جمال عبد الناصر، ليبلغه بما حدث من رفض العمال تفريغ السفينة وشحنها بالقمح الذي يجب أن يصل إلى مصر خلال أسبوعين على الأكثر، توجه عبد الناصر إلى مبنى الإذاعة المصرية بعد ظهر ذلك اليوم وتحدث لخمس دقائق فقط، روى فيها بإيجاز ما حدث في ميناء نيويورك وطالب فيها اتحاد عمال الموانئ العرب بالرد، وفي غضون ثلاث ساعات فقط كانت هناك ثمانون سفينة أمريكية تمت مقاطعة شحنها وتفريغها في الموانئ العربية من طنجة إلى البصرة، وتضامن جميع عمال الموانئ العرب حتى في الدول التي كانت مختلفة سياسياً مع عبد الناصر لم تتمكن نظمها الحاكمة من إلزام العمال بعدم المقاطعة، مما اضطر الرئيس كيندي أن يأمر الجيش الأمريكي بتفريغ السفينة المصرية وشحنها، بشهادة صحيفة (نيويورك تايمز) في 15نيسان 1960.

هذه الوقفة العمالية التضامنية مهداة إلى العمال العرب اليوم.. فما زال الأمريكيون وحلفاءؤهم الأوربيون يضعون الشروط.. ويحاصرون.. ويحركون أساطيلهم.. ويشجعون على الإرهاب لتحقيق مآربهم في استمرار الهيمنة على مقدرات الشعوب العربية.

العدد 1104 - 24/4/2024