من الصحافة العربية العدد 631

تعثرنا في سورية… فلنحاول في العراق

لن يكون هناك وقف للنقد حيث يجب. ليست هي سلطة ديموقراطية أو نظيفة الكف تماماً. وليس منا من يحتاج إلى إعطائه درساً في طبيعة الحكم القائم في العراق كما هي الحال في سورية. لكن، وكي لا نقع ضحية لعبة كلفتنا عشرات ألوف الضحايا في سورية وليبيا واليمن، فلنحسم هذا الجانب من الموضوع سريعاً: من يريد إسقاط الحكم في سورية والعراق لا يفعل ذلك من أجل ضمان حقوق كاملة وأكيدة للشعبين السوري والعراقي. ومن يقود هذه العملية ويوفر لها كل الدعم، ليس هو المؤهل لهذه المهمة.

ولكن الهدف الحقيقي هو ما قادتنا إليه نتائج السنوات الثلاث الماضية المليئة بصور الموت والقتل. إنه الهدف الوحيد: تدمير دولنا وجيوشها ومؤسساتها، وتمزيق النسيج الاجتماعي، ومنع تيار المقاومة للاستعمار الأمريكي – الأوربي – الصهيوني من تحقيق نجاحات في التحرير وكسر التبعية.

المشروع كان يستهدف سورية الدولة والناس. والتعثر الكبير الذي أصابه دفع الدول والجهات الداعمة لهذا الجنون، من الولايات المتحدة وإسرائيل وأوربا، إلى السعودية وقطر وتركيا، ومعهم (الإخوان المسلمون) والتيارات السلفية الحركية، إلى البحث في خيارات أخرى. هم يطبّقون ما جاهرت به إسرائيل دوماً: (محور الشر صار سلسلة تمتد من إيران مروراً بالعراق وسورية ولبنان، وصولاً إلى فلسطين. يجب ضرب قاعدته الفلسطينية، وكسر جسمه في لبنان، وقطعه من وسطه في سورية، وإنهاكه من نقطة الوصل في العراق، وتحطيم رأسه في إيران).

كل المحاولات جرت. لم تبق حرب وفتنة ومشروع مجنون إلا جُرّب. وإزاء الفشل أو التعثر الكبير، كان على هؤلاء الانتقال إلى مخططات بديلة. اليوم، بعد وصولهم إلى نقطة اللاحل في فلسطين، والطريق المسدود في مركز المقاومة في لبنان، وفشل مستمر لمشروع إسقاط سورية، وعجز عن ضرب إيران، لم يعد في اليد حيلة إلا الهجوم بأبشع الطرق، وأكثرها رذالة. والحيلة اسمها: دولة سنيّة تفصل ما يفترضون أنه الهلال الشيعي.

الهدف يستمر

هو هو: ضرب محور المقاومة من قاعدته أو رأسه أو وسطه

أكثر من ذلك، لقد اختبر هذا الحلف كذبة الائتلافات الديموقراطية والمدنية، و(زعبرات) الغرب وعملائه. وبعد فضيحتهم في سورية، لم يعد هناك من مانع في ترك الأمور على حقيقتها، حيث يسيطر السلفيون الجهاديون على الأرض، وحيث عاد نظام العلاقات القبلية للتحكم في التجمعات البشرية المتنوعة. بل لم يعد يحرج هؤلاء ترك الأمور تحت مسمياتها المباشرة.

اليوم، نحن أمام تحالف يقود معركة إعلان الإمارة الإسلامية الجديدة. وهي تمتد من حلب إلى الموصل، وما تيسر من مناطق الجزيرة العربية المحتلة من قبل آل سعود والسلالة الهاشمية في الأردن. وهو تحالف يجمع بين عشائر تعيش منذ ثلاثة عقود على الأقل على دعم ورعاية ممالك القهر في الجزيرة العربية، والنسخة الجديدة من تنظيم (القاعدة) الذي قام بعد غزو أمريكا للعراق في عام ،2003 والذي كرست حركة (داعش) طلاقه النهائي مع القيادة المركزية السابقة المتمثلة راهناً في الدكتور أيمن الظواهري. ويضم هذا التحالف كل من يمكن وصفهم بالمتضررين، سواء من قسم من البعثيين العراقيين، أو ضباط وجنود من الجيش العراقي السابق الذي كان بقيادة صدام حسين، أو مجموعة العصابات التي تواصل أعمال النهب والسرقة للثروات العامة.

بعد خروج أمريكا من العراق مهزومة – نعم مهزومة – باشر عملاء أمريكا في المنطقة، وعلى رأسهم السعودية وتركيا، التفاوض على حصتهم من العراق الجديد. استغل هؤلاء أخطاء من تعاقب على حكم العراق الجديد. وهي أخطاء مقيتة، تشمل سرقة الثروات، واستسهال التعدي على فكرة الدولة، والتصرف بعقلية إقصائية على خلفية ثأرية أو طائفية مذهبية. لكن هذا الاستغلال لم يقتصر على التحريض السياسي، بل على رعاية أطول عملية إجرام شاملة قامت بها ولا تزال مجموعات تعتنق الفكر الوهابي، تمارس القتل العشوائي دونما توقف. ومع ذلك، فقد فشلت كل محاولات السيطرة على العراق من جديد.

ليس أمامنا سوى مواجهة هذا المشروع. ولنكن واضحين في أن إلزامية المواجهة مع هذا المشروع لن تجعلنا نتوقف لحظة عن نقدنا للحكم الفاشل والفاسد. ولن تجعلنا نتوقف عن الدعوة إلى إعادة الاعتبار إلى هويتنا العربية لمواجهة معركة التفتيت الجارية. ولن تمنعنا عن حقنا الدائم في المطالبة بملاحقة ومعاقبة كل من أساء إلى شعوبنا والتشهير به.

إبراهيم الأمين

(الأخبار)، 13/6/2014

 

ورقة النفط الضاغطة على الكرملين

تُخيم الكثير من الهواجس على موسكو منذ زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المملكة العربية السـعودية نهاية آذار ،2014 خاصة أن هذه الزيارة أفرزت حديثاً عن احتمال عقد (صفقة) أمريكية سعودية لمعاقبة روسيا على موقفـها من الأزمتين السورية والأوكرانية عبر تخفيض الأسعار العالمية للنفط، كثيراً، لضرب الاقتصاد الروسي. لقد كانت هناك سابقة من هـذا النـوع في ،1985 عندمـا اتفـقت أمريكا والسعودية على قيام الأخيرة بزيادة إنتاجها النفطي لمعاقبة السوفيات على احتلال أفغانستان. الأمر الذي هوى بأسعار النفط إلى 10 دولارات للبرميل، وهو ما لم يحتمله الاقتصاد السوفييتي. وكان هذا في رأي الكثير من الخبراء الروس والغربيين أحد أسباب انهيار الدولة السوفييتية وتفككها في 1991.

لا يخفى أن تصدير النفط، ثم الغاز الطبيعي، يلعب دوراً رئيسياً في الاقتصاد الروسي. فحسب وزير المالية الروسي السابق أليكسي كودرين، تتراوح حصة النفط والغاز في إجمالي الصادرات الروسية حاليا بين 65 في المئة و73 في المئة. وحالة (التبعية) هذه لتصدير موارد النفط والغاز تتجلى أكثر في البيانات الروسية التي تشير إلى أن حصة المواد الخام والأولية عموماً في الصادرات الروسية الإجمالية تقترب من 90 في المئة، بينما حصة الصادرات الروسية من المعدات والآلات والسلع الإنتاجية منخفضة للغاية.

إن عوائد روسيا من صادرات النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي في الفترة الممتدة بين الأعوام 2000 و2013 فاقت مبلغ 3,2 تريليون دولار، بينما كانت في الفترة 1992 ـ 1999 نحو 200 مليار دولار فقط. وهذا الفارق الكبير في هذه الإيرادات النفطية الغازية ساعد الرئيس بوتين في تثبيت نظامه السياسي وإحلال الاستقرار النسبي في روسيا عبر رفد ميزانية الدولة بقسم من تلك العوائد واستخدامها في رفع أجور ومرتبات العاملين في القطاع الحكومي، وفي بعض الاستثمارات، في ظل تفاوت كبير بين الأغنياء والفقراء. فحصة عوائد النفط والغاز في ميزانية الدولة الروسية تبلغ نحو 50 في المئة من إجمالي إيرادات هذه الميزانية. وتنبغي الإشارة هنا إلى أن العوائد الروسية من صادرات النفط تزيد عن عوائد تصدير الغاز الطبيعي بأكثر من أربع مرات، أي أن تصدير النفط هو المصدر الرئيس للعملة الصعبة في روسيا. ومن هنا تظهر تبعية الاقتصاد الروسي لتصدير النفط أولاً، ثم تصدير الغاز الطبيعي ثانياً. ولذلك سيؤثر أي تخفيض كبير في الأسعار العالمية للنفط حتماً وكثيراً على النمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي وميزانية الدولة وميزان المدفوعات والبرامج الاجتماعية للحكومة، وقد تكون له تبعات سياسية وخيمة داخل روسيا. فتخفيض سعر النفط العالمي إلى أقل من 90 دولاراً للبرميل سيتسبب، حسب بعض التقديرات، في خسائر فادحة للاقتصاد الروسي تصل إلى أكثر من 40 مليار دولار. وفي هذا السياق اقترح الملياردير الأمريكي، جورج سوروس، استخدام المخزون الاستراتيجي الأمريكي للنفط بواقع خمسة ملايين برميل يومياً، وهو ما سيتسبب فوراً ـ حسب رأيه ـ في انخفاض أسعار النفط أكثر من 10 ـ 12 دولاراً للبرميل، ومن ثم تكبيد الاقتصاد الروسي خسائر فادحة.

واللافت أن فريقاً من الخبراء الروس يؤكد أن الخطة الجديدة لمعاقبة روسيا نالت موافقة بعض المسؤولين الأمريكيين، وإن رأى البعض الآخر من هؤلاء المسؤولين أن نتائجها قد تكون قصيرة الأجل ومحفوفة بمخاطر إهدار المخزون الاستراتيجي الأمريكي من النفط. ولتجنب تخفيض المخزون الأمريكي الاستراتيجي من النفط، لجأت واشنطن، حسب صحيفة (البرافدا) الإلكترونية الروسية، إلى محاولة إقناع الرياض بهذه الخطة. في الوقت نفسه يرى خبراء روس آخرون أنه من غير المتوقع أن تكون هناك صفقة بين واشنطن والرياض، لأن النظام العالمي قد تغيّر عما كان عليه في ثمانينيات القرن العشرين، ذلك أن تخفيض الأسعار العالمية للنفط سيضر بالسعودية. ويستند هؤلاء الخبراء أيضا إلى أن التوتر الحالي في العلاقات السعودية الأمريكية، بسبب الملف السوري والتفاوض الأمريكي الإيراني وتقليص العقوبات على طهران – قد يمنع الرياض من الاستجابة للرغبات الأمريكية.

وقد تكون هذه (الصفقة المحتملة)، هي التي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نيسان الماضي للإشادة بعلاقات بلاده مع السعودية، بالرغم من توتر هذه العلاقات الجلي منذ بداية الثورة السورية. فقد وصف بوتين العلاقات الروسية السعودية بأنها (طيبة جداً)، مشيرا إلى (أن السعودية هي الدولة الوحيدة القادرة على زيادة إنتاج النفط، ومن ثم تخفيض الأسعار). وقال بوتين: (لا أظن أن أصدقاءنا السعوديين سيقدمون على إجراء تغيير ما حاد يضر باقتصادهم والاقتصاد الروسي، لافتاً إلى أن السعودية يمكن أيضاً أن تواجه خسائر ضارة إذا انخفض سعر برميل النفط إلى ما دون 85 دولاراً). وأضاف: (إنه يكنّ احتراماً كبيراً لخادم الحرمين الشريفين ملك المملكة العربية السعودي، واصفاً إياه بالرجل الذكي والحكيم، ومذكراً بتقارب موقف البلدين من التطورات في مصر وتباينه في الشأن السوري). واللافت أن تقريراً اقتصادياً لمجموعة (ميريل لينش) أوصى مؤخراً بأن السعودية يجب أن تحافظ على سعر نفطها بأكثر من 85 دولاراً للبرميل لتجنب عجز الميزانية.

ولأن (الصفقة المحتملة) لمعاقبة روسيا بتخفيض أسعار النفط تبقى قابلة للتنفيذ من الناحية النظرية، فإننا لا نستبعد أن لقاء الرئيس بوتين ووزير خارجية المملكة العربية السعودية سعود الفيصل في الثالث من الشهر الجاري في مدينة سوتشي قد تطرق إلى هذا الموضوع. فهذا اللقاء أُحيط بتعتيم إعلامي تام، وإن أقر به دميتري بيسكوف، الناطق الرسمي للرئيس الروسي. كما أن الاتصال الهاتفي بين وزيري خارجية البلدين الاثنين الماضي للبحث عن تسوية سياسية للأزمة السورية، يسمح لنا أيضا بالحديث عن ترتيبات محتملة تتعلق بسورية، قد يكون لورقة النفط فيها دور مهم.

هاني شادي

(السفير)، 13/6/2014

العدد 1105 - 01/5/2024