هل اقتربت نهاية الأزمة السورية؟

نجاح المساعي الدولية مرهون بلجم مصدّري الإرهاب

وباحترام خيارات الشعب السوري

 

 تتكثف الجهود الدولية التي تقودها روسيا من أجل عقد مؤتمر جنيف 2 لإنهاء الأزمة السورية عبر الحلول السياسية.. ويوماً إثر آخر تنضم دول جديدة إلى الطرف الواقعي والسلمي في المعادلة الصعبة التي أوجدها التحالف الأمريكي الأوربي الخليجي التركي على الأرض السورية. عوامل نجاح المساعي الدولية متوفرة وواضحة لكل من يهمه فعلاً لا قولاً حل أزمة السوريين ووقف نزيف دمائهم والكف عن تهديم بلادهم.

إن هذه العوامل تتلخص بوقف التدخل الخارجي المتعدد الأشكال في شؤون بلادهم، وخاصة وقف التشجيع والتسليح لأنصار الحسم العسكري والمجموعات التكفيرية (الجهادية) التي تسللت إلى سورية، بدعم غير محدود من مشايخ النفط والعثمانيين الجدد، واحترام خيارات الشعب السوري بجميع فئاته وقواه السياسية، وبضمنها المعارضة الوطنية، وعقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي سيحدّد عن طريق الحوار والتوافق، مستقبل سورية الديمقراطي العلماني.

وفي المقابل فإن عوامل فشل هذه المساعي متوفرة أيضاً، وحاضرة في أذهان رعاة الإرهاب وأفعالهم في الولايات المتحدة وأوربا وإسرائيل وشركائهم في المنطقة. فالإدارة الأمريكية لم تثبت حتى الساعة صدق نواياها السلمية تجاه الجهود السلمية التي تقودها روسيا منذ بداية الأزمة السورية.

ففي الوقت الذي أعلنت فيه موافقتها على الحل السياسي في جنيف، كانت طائرات النقل العملاقة تتوجه من قطر إلى تركيا محملة بالأسلحة والعتاد، لدعم المجموعات الإرهابية التكفيرية، بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، حسب ما نقلت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية. وافتتحت بعد ذلك معسكراً لتدريب (المعارضة) المسلحة في الأردن، ثم أوعزت إمعاناً في سياستها المواربة البهلوانية، إلى شركائها البريطانيين والفرنسيين، بالعمل على إلغاء الحظر الأوربي على إرسال السلاح إلى سورية.

فما الذي يثبت صدق النوايا الأمريكية اليوم تجاه عقد مؤتمر جنيف ،2 خاصة بعد تضارب تصريحات المسؤولين الأمريكيين التي يُشتمّ منها رائحة وضع شروط تتناقض مع خيارات الشعب السوري؟ وما الذي سيثبت صدق النوايا الأوربية، بعد أن صرح كاميرون، إثر لقائه أوباما، بأنه (لن يكون هناك تقدم سياسي قبل أن تصبح المعارضة قادرة على الصمود في وجه الأسد)؟!

لا يبدو المشهد قاتماً تماماً، فقد أعلنت الحكومة السورية عن تفاؤلها الحذر إزاء التقارب الروسي الأمريكي، كذلك أعلنت مجموعة (بريكس) وإيران، والعديد من الدول الأوربية، تأييدها للهجوم الروسي السلمي، وأبدت الأمم المتحدة على لسان أمينها العام، بعد لقائه القادة الروس، أهمية الإسراع في عقد المؤتمر العتيد. كما رحبت المعارضة الوطنية في الداخل، وبعض النخب المعارضة في الخارج بكل جهد سلمي لإنهاء الأزمة السورية. أما على الجانب العسكري، فإن القوات المسلحة السورية تستعيد زمام المبادرة، وتخلّص مناطق جديدة من سيطرة المجموعات الإرهابية، كان آخرها منطقة القصير، التي شكلت معبراً استخدمه الإرهابيون لتهريب المتسللين والأسلحة.

السوريون محكومون بالتفاؤل والأمل، فقد دفعوا من دمائهم، واستقرار بلادهم، ومعاناة أطفالهم، ثمناً لأزمة كان يمكن أن تحل ضمن البيت السوري الواحد، لولا التدخل الأمريكي الأوربي الخليجي العثماني، والتصعيد الممنهج الذي مارسه المنتفعون من دمار سورية، في الخارج والداخل، خدمة للمخطط القديم -الجديد، الهادف إلى كبح جماح المحور المقاوم للإمبريالية والصهيونية في الشرق الأوسط، والذي تلعب سورية فيه دوراً رئيسياً.

إن نبض المواطن السوري يجب أن يُسمع في كل محفل دولي يهدف إلى إنهاء الأزمة السورية، وخيارات الشعب السوري لها الأولية على جميع الشروط، والبنود التي سيتوافق عليها المؤتمرون.. فشعبنا لن يسلم زمام أمره لحفنة من أمراء الظلام وأصحاب الفكر الإقصائي التكفيري.. المواطن السوري هو من طالب بالديمقراطية، وبالتداول السلمي للسلطة، وبإطلاق سراح معتقلي الرأي، والموقوفين على خلفية الأحداث، ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء، وهو من عانى ومازال يعاني تداعيات السياسات الاقتصادية التي همشت مصالحه وهمومه، لصالح النخب الثرية والرأسمالية الطفيلية، وهو الذي دعا إلى حل سلمي للأزمة، عبر الحوار الديمقراطي الشامل بين أفراد الأسرة السورية المتعددة، المتآلفة، وفتح الآفاق أمام التغيير السلمي وتحقيق حلم السوريين جميعاً وإرادتهم، ببناء سورية المتجددة.. الديمقراطية.. العلمانية.

العدد 1105 - 01/5/2024