واقع المرأة في العمل البيئي في سورية

أصبح إشراك المرأة في عملية صنع القرار (البيئي بخاصة) شرطاً أساسياً لتحقيق التنمية المستدامة، فالأمن البيئي في الريف والحضر مهدد بالخطر. لقد قدرت كلفة التدهور البيئي في سورية في لعام 2005 بما يناهز 5% من الناتج المحلي الإجمالي، ولا يشمل هذا التقدير قيمة خسارة الأرواح البشرية المتوفاة بالأمراض الناتجة عن التلوث بل فقط الكلفة العلاجية لهذه الأمراض وخسارة أيام العمل المترتبة، كما لا يتضمن قيمة فقدان الموارد الطبيعية والتنوع الحيوي والتراث الحضاري وكانت دراسة للبنك الدولي بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة قد قدرت الكلفة الاقتصادية لتدهور البيئة في سورية عام 1998 بنحو 32 مليار ليرة منها ثلاثة مليارات تكلفة تلوث الهواء في المدن السورية، بينما بلغت حسب دراسات وزارة الإدارة المحلية والبيئة لعام 2005 نحو 40 مليار ليرة سورية مما يشير إلى استمرار تدهور البيئة السورية.

لذلك لا بد من وجود آليات تستطيع مجابهة هذا التدهور البيئي والصحي تتمثل في:

ـ التخفيض أو إزالة الأسباب البيئية للأمراض: وهو موضوع بيئي بحت يمكن للمرأة الحضرية والريفية أن تساهم فيه وفي جميع القطاعات، لأنه ناجم بشكل أساسي عن تلوث الماء والهواء والطعام، ويعتبر عدم توفر مياه الشرب النقية أحد العوامل المؤدية إلى زيادة أعباء العمل على كاهل النساء في بعض المناطق، فقد تستهلك عملية جلب المياه في بعض الحالات ما يقرب من 60% من وقت عملهن.

وقد جرى على مدار السنوات الماضية توثيق أهمية إشراك النساء على نحو جيد في إدارة المياه في المجتمعات المحلية، واتضح بالمراجعة التي قام بها المعهد الدولي لبحوث سياسات الأغذية على 271 من مشاريع البنك الدولي أنه في الحالات التي تمت فيها استشارة النساء ازدادت استدامة المشاريع بمقدار 16%.

وقد أكدت المنتديات العالمية للمياه التي عقدت مؤخراً في مراكش (1997)، ولاهاي (2000) وكيوتو (2002) ضرورة الاهتمام بمسألة مراعاة إشراك النساء في إدارة الموارد المائية. وكلنا يعلم أن استنزاف وتلوث الموارد المائية السطحية والجوفية تعتبر من أبرز التحديات التي تواجه البيئة السورية، ولدينا أبحاث ودراسات عديدة عن تلوث حوض بردى والأعوج يمكن استعراض بعضها:

ـ توفير الغذاء كماً ونوعاً: وهو موضوع بيئي نسبياً ويمكن للمرأة وبخاصة الريفية أن تساهم فيه وبخاصة في القطاع الزراعي.

وبالطبع المرأة في الريف السوري تتشابه مع نساء العالم جميعها، فهي تتحمل الأعباء المنزلية كافة من عمليات التنظيف والغسيل وتحضير الطعام وتأمين مؤونة البيت والعناية بالأطفال وشؤونهم أي تؤدي الأدوار الثلاثة الرئيسية الخاصة بالنساء الدور الإنجابي ، الدور الاجتماعي ، والدور الأهم وهو الدور الإنتاجي.

يشير التقسيم النوعي للعمل بين الجنسين في الزراعة إلى مساهمة المرأة الريفية الواضحة في جميع مراحله، ولكن دورها الأبرز يأتي في العمليات اليدوية التي تحتاج إلى كثير من الصبر والتحمل، مثل الغربلة والتفريد والترقيع وتحضين النباتات (شتول) وشك الأوراق بالنسبة لمحصول التبغ وجمع بقايا المحصول، إذ تبلغ نسبة مساهمتها في هذه العمليات أكثر من 70%.

كما تتولى المرأة عمليات التعشيب والاحتطاب والتصنيع المنزلي والتصريم بالنسبة لمحصول الشوندر، كما تساهم في القطاف والفرز وخاصة في الأشجار المثمرة والخضار بنسبة تتراوح مابين (50-70%). وأما عمليات الحصاد اليدوي والتعبئة والتوضيب والبذار فتتراوح نسبة مساهمة المرأة فيها بين (40-50%). بينما نسبة مساهمة المرأة في عمليات تنعيم الأرض للزراعة والتسميد وتأسيس البساتين وإعداد الأرض والري وكذلك التحميل والتنزيل تبلغ بين (20-40%) في حين تتقلص مساهمة المرأة الريفية بالعمليات الأخرى، مثل الحصاد الآلي والمكافحة والحراثة والتقليم والتطعيم إلى أقل من 20% وتكاد تغيب في عملية التسويق، إذ تبلغ نسبة مساهمة المرأة كإجمالي نحو (3.5% ) فقط.

بينما يشير التقسيم النوعي للعمل بين الجنسين في رعاية الحيوان إلى مساهمة المرأة بمعظم العمليات إذا لم نقل كلها بدءاً من التصنيع المنزلي والحلابة والرعي وتنظيف الحظائر والتغذية والعناية بالمواليد والإشراف على الولادة والتسويق وحتى الرعاية الصحية وتسريب الأغنام.

كما تساهم المرأة في تربية الدواجن وتربية دودة الحرير بنسبة 100% وإضافة إلى ما ورد أعلاه، فالإناث مسؤولات عن معظم الأعباء المنزلية إذ إنهن مسؤولات بالكامل عن تنظيف المنزل والاهتمام بالأطفال وجمع الحطب  للوقود في (56%) من الأسر وصنع الخبز في (77%) من الأسر..الخ في حين تكون السيادة للذكور (الآباء، الأبناء) في أداء وظيفة التسويق في (96.5%) من الأسر.

وبالطبع تتنوع المعوقات التي تواجه المرأة الريفية بتنوع الأدوار التي تقوم بها والتي تستوجب معالجتها وتذليلها بغية إدماج النساء الريفيات في عملية التنمية على أحسن وجه، منها معوقات أساسها اجتماعي ومنها معوقات اقتصادية، إضافة إلى المعوقات ذات الطابع المؤسساتي.

 وفي ضوء المعوقات يمكن استخلاص الاحتياجات اللازمة للنهوض بواقع المرأة الريفية، التي انعكست على شكل استراتيجية تبنتها وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لتنمية المرأة الريفية علماً أن هذه الاستراتيجية المقترحة هي جزء من الاستراتجية الوطنية للمرأة في سورية التي أعدت بعد مؤتمر بكين عام 1995 لتكون منهاج عمل للحكومة السورية.

ويشارك في تنفيذها العديد من الوزارات والمنظمات الشعبية التي يتم التنسيق بينها وبين وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في مجال تنمية المرأة الريفية، وأهم هذه الجهات هي الاتحاد النسائي العام، وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وزارة الثقافة، وزارة الصحة، الهيئة العامة لمكافحة البطالة، وزارة التربية، الهيئة السورية لشؤون الأسرة…. إلخ.

التصدي الوقائي

يتمثل في إعطاء البعد البيئي أهميته اللازمة في جميع المجالات والمشاريع المطروحة منذ البداية (تربوي، اجتماعي، صحي، صناعي، زراعي…)، إذ ينبغي وضع دراسة خاصة لتقييم الأثر البيئي بدرجة أهمية الدراسة الفنية والجدوى الاقتصادية أو الصحية… إلخ. ورفض المشروع في حال تجاوز الضرر البيئي المتوقع المنفعة المتوخاة مهما بلغت.

وهنا أيضاً يمكن أن يكون للمرأة دور فاعل في التصدي الفاعل والعاجل للمسألة البيئية المطروحة بسبب وجودها في جميع المجالات الحكومية والمنظمات الأهلية البيئية والاجتماعية.

نادراً ما تأخذ دراسات التقييم البيئية المسائل المتعلقة بنوع الجنس في حسبانها تماماً. وربما كان أحد الأسباب وراء هذا هو عدم كفاية البيانات : فلا توجد سوى بعض المحاولات المنهجية القليلة لتجميع البيانات المتعلقة بنوع الجنس لتقييم الآثار البيئية للناس على الموارد، أو لتقييم الآثار البيئية على الناس، باستثناء عدد محدود من المتغيرات.

كما أن تعميم مراعاة منظور نوع الجنس له أهمية أساسية، ولكنه لا يحدث على النطاق المطلوب. ويمكن أن يكون أحد الأسباب وراء هذا الأمر هو إخفاق خبراء القطاع في رؤية أهمية تمكين المرأة بالنسبة لنجاح المشروع.

التصدي العلاجي

وهو الآلية الأكثر تعقيداً، لأنه حسب المسألة المطروحة (تربوية، خدمية، صحية، طبيعية…) فإن التوفيق بين الأوضاع البيئية والمشكلة نفسها سيكون غاية في الصعوبة والكلفة، وهنا لو أخذنا مثالاً عن تعقيد المشاكل الاجتماعية ذات الآثار البيئية في مناطق السكن العشوائي والأحياء الفقيرة التي تتدنى فيها الخدمات الصحية ومعالجة الفضلات، وقد تنعدم تلك الخدمات في بعض المناطق التي تعاني من ارتفاع نسبة تلوث الهواء والماء. وجدير بالذكر أن هناك عدداً من الأسر التي تعولها النساء في المناطق الحضرية، وهي تعيش في ظروف أكثر فقراً وضعفاً من الأسر التي يعولها الزوجان. ولو أخذنا مثالاً آخر عن كلفة استعادة غوطة دمشق المتدهورة أو المنهارة، كما تشير دراستنا منذ أكثر من 12 سنة، فالماء السطحي الملوث نقل ملوثاته إلى المياه الجوفية والنباتات وبالتالي إلى الإنسان، وأدى إلى إنفاق صحي تجاوز 45% للمضادات الحيوية (في بعض السنين حسب إحصاءات وزارة الصحة) الخاصة بأمراض الجهاز الهضمي.

نجد أنه هنا أيضاً تساهم المرأة كأم ومربية وإنسانة بدور كبير في التصدي العلاجي للأثر البيئي للإنسان أو البصمة البيئية Ecological Footprint والمرتبطة بشكل أساسي بوعيها لأهمية إعادة التدوير والمحافظة على الموارد.

تحديات المستقبل والحكم السليم

من بين الخطوات الرئيسية لضمان أخذ النساء في الاعتبار في عملية صنع القرار بل وحتى مشاركتهن في العملية نفسها هي أنه ينبغي أن يمثّلن بصورة متساوية في أجهزة صنع القرار، وبخاصة البيئي، على كل المستويات، سواء المحلية أو الوطنية أو العالمية.

وفي حين أن العمليات البيئية العالمية قد أكدت الحاجة لتمكين النساء وإشراكهن ، فإن اتفاقية ستوكهولم حول الملوثات العضوية الثابتة، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2004 هي المعاهدة الأولى التي تنادي بصورة واضحة بانخراط متوازن للمرأة في تنفيذ الاتفاقية نفسها، وأحد التطورات الإيجابية هي تكوين شبكة وزيرات البيئة، التي تهدف إلى تعزيز أوضاع النساء في عملية صنع القرار المتعلق بالبيئة.

كما لفتت الدراسات الانتباه إلى الحاجة إلى تكنولوجيات موفرة لوقت النساء بهدف توفير بعض الوقت لاستغلاله في أنشطة تدر دخلاً وللتعليم ، ومن شأن زيادة المساواة في تعليم المرأة أن يحقق مجموعة متنوعة من الفوائد، فقد وجد أن للتعليم أثراً عميقاً على الصحة والنمو السكاني.

 

من دراسة أعدتها:

 م. رلا أبازيد

أ.د. ابتسام حمد…

(الاستراتيجية الوطنية للمرأة السورية عام 2008)

العدد 1105 - 01/5/2024