مرجانة.. الفتى الطيب

لاتزال صورة ذلك الفتى ماثلة أمام أعيننا وهو يستيقظ صباحاً حاملاً في جعبته أفكاراً وآمالاً كبيرة، فهو كالأرض الطيبة التي تعطي بسخاء إلى أن تزهر.

جاء ذلك الفتى إلى مركز الإيواء بشغف وحب مشرفاً متطوعاً، فقد تألّم من رؤية وجوه الأطفال الذين ساءت أوضاعهم، وبدا على وجوههم الكآبة والحزن وقرر أن يدعمهم، إنه الفتى الطيب الذي أعطى بإخلاص وحب، والجدير بنا أن نحكي عن عمله وعطائه لنتعلم منه معنى الإخلاص والطيبة والعطاء، ذلك الفتى الهادئ كان يصعد إلى الطوابق في المركز التي فيها أكثر من خمس وسبعون عائلة مهجّرة ويدور بينهم صفاً صفاً، لكي يقول للأطفال: انزلوا الى الباحة للنشاط والترفيه، وكان الأهالي ينزلون مع أولادهم بحثاً عن الترفيه عن النفس.

أدهش الأهالي بأسلوبه النشيط المميز الجميل، كان يغني مع الأطفال ويرقص معهم، كان يقترب وينزل إلى كل طفل بكل محبّة ويقول له: هل أنت سعيد؟ كيف حالك؟

لقد أحبّه الأطفال وأهاليهم، واستطاع أن يدخل إلى قلوب الأهالي والأطفال، استطاع أن يرسم تلك البسمة على وجوههم جميعاً، كان بارعاً، إنه أستاذ بعمله، طموح، أذكر كان مرّة جالساً أمام الأطفال الملتفين حوله على شكل دائرة والأهالي مصطفون على الجوانب وهو واقف وسطهم يعلمهم أغنية كان اسمها: (مرجانة)..كان يرددها الأطفال والبسمة ماثلة على وجوههم، غنّاها ورددها الكبار والصغار، لقد أحبّه الجميع، سألناه مرّة ما الذي جعلك تهتم بنا بهذا الشكل، قال لنا كلمة حلوة: أنتم مهجرون، وقد تركتم بيوتكم وتقطنون عندنا، افترضوا – لا سمح الله – أن الأوضاع ساءت عندنا، ألا تستقبلوننا وتعتنون بنا ؟ فأجبناه: نضعك في عيوننا وقلوبنا أيّها الطيب، كان يقول لنا إنكم مثل أهلي وأنتم ضيوفنا، أهلاً بكم..

ياله من فتى رائع أصبح مشهوراً لدى الأطفال وينتظرون مجيئه كل يوم، جزاه الله خيراً وأعطاه الله الخير والعافية والقوة، لقد نشر على وجوهنا الحب والابتسامة، فكبر في أعين الكبار والصغار، فكم حريّ بكم أيها الشباب أن تقتدوا به عطاء وإخلاصاً، لتدخلوا إلى قلوب الناس البهجة والسرور..

فأغلى ما في الوجود أن ترسم بسمة على وجه طفل مجروح أو مشرّد..

كان رغم عبء الدراسة الجامعية يأتي ليطمئن على الأهالي والأطفال، كان ينهي دوامه المخصص له ويأتي بعد دوامه، قال مرّة للأهالي: سأغيب عنكم للامتحان. لقد بكى بعض الأطفال وقالوا له: لا تغب عنا كثيراً سوف نشتاق إليك. أتدرون ما كانت ردّة فعل الأطفال؟ رددوا كلهم بصوت واحد أغنية (مرجانة) ودموعهم تنهمر على وجوههم، وذهب.. وطال غيابه.

وبعد مدّة جاء عيد الميلاد وأحب (كشاف الراعي الصالح) أن يعملوا حفلة في المدرسة، ودخل أشخاص كثيرون ممن يضربون بالطبل والزمر يتقدمهم بابا نويل وهو يغني ويرقص، وكانت المفاجأة الكبيرة والعميقة، أتدرون ما هي؟ غنى بابا نويل أغنية (مرجانة)..هتف الأطفال بصوت واحد:

هي.. هي.. إنه الفتى الطيب! وبدا الفتى وسط الجموع قادماً من سفرة طويلة إلى دولة عربية ليتدرب على التمثيل، قادماً وسط فرحة الأطفال التي لن تعبّر الكلمات عنها، فوجوههم وحدها كانت كافية لتعبّر عن الفرح والسعادة وكان الفتى يرقص ويغني، واعتقد الحضور القادمون الى المركز أن ما يحدث سحر. كيف استطاع هذا الفتى أن يجذب جميع الأطفال رغم كل الزمر والطبل والغناء؟ ببساطة، محبته العميقة وإخلاصه، أنتجا إخلاص الأطفال لهذا الحب، واندمج هذا الحب مع محبة (الراعي الصالح) واكتملت الفرحة في المركز، فهذا الفتى أصبح قدوة حسنة للجميع..

فألف شكراً لكل من يقدم البهجة، فالحب لا يمكن أن ينسى، وسيبقى مهما طالت السنين، والعطاء كنز لا يفنى، والمحبّة روح لا تقدّر بذهب الأرض، فإدخال البهجة إلى قلوب من غادرتهم البهجة هو عمل رائع يساهم به الكثيرون ممن يعملون معنا ويدعموننا، ومنهم ذلك الفتى الطيب الذي كان من أوائل من قدم إلى المركز وشاركنا أحزاننا وآلامنا..

العدد 1105 - 01/5/2024