«جاك رايان: الشبح المجند»… الكساد الأمريكي المرتقب

تجلت مأثرة المنظومة الأمريكية العظمى في تطويع الإنتاج السينمائي وفقاً لمصالح أرباب الكتل المالية الضخمة، مما يسهل إحكام السيطرة على المفاصل الأساسية للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتوحيد الجموع المتباينة تحت قيادة موحدة تستظل بحلم الوفرة الشهير. فاللوحة الفنية الناطقة تخلق المثال الذي يترسخ في الأذهان، ويتكفل بشحن العاطفة لإدارة الفعل ورد الفعل العام. إنها الفكرة التي يقوم عليها الفيلم الأمريكي (jack rayan: shadow recruit) للمخرجKenneth Branagh) ) عبر شخصية البطل المتحفز لتثبيت أيقونة الشرطي الأمريكي العالمي. والخلفية المثلى في هذه الحالة تتمثل في استحضار تفجير برجي التجارة عام 2001 وما تلاها من تصاعد العسكرة الأمريكية تحت ذريعة مكافحة الارهاب وحماية الأمن القومي.

تبدأ القصة مع جاك (Chris Pine) الطالب الأمريكي المتميز في جامعة لندن للاقتصاد، والذي يشاهد بذهول انهيار برجي التجارة العالميين. فيندفع بعد عامين للالتحاق بالجنود المتجهين إلى أفغانستان، لكن طائرته تتحطم قبل وصولها. وبسبب إصابته يتأجل مشروعه الحماسي لإنقاذ أمريكا من أعدائها الإسلاميين. وبالمقابل يحظى بفرصة ثمينة لمتابعة دراسته الاقتصادية على حساب الجهاز الاستخباراتي الأمريكي المعروف بالأف.بي.آي… وفي عام 2013 يلتقي العميل هاربر Kevin Costner) ) ليحذره من مخالطات الشراكة التجارية الروسية الأمريكية. وتظهر في الخلفية نشرات البورصة المتزامنة مع تحذيرات البنك الدولي من الأسواق الناشئة، يليها تسليط الأضواء نحو مفاوضات اللحظة الأخيرة بين الروس والأمريكان في هيئة الأمم المتحدة وتداعياتها على سوق الأوراق المالية، إذ يبرز خطر المعارضة الروسية الشديدة لإنشاء خط غاز تركي جديد، يرى فيه الاقتصاد الروسي تهديداً لصادراته النفطية. ويختم المذيع تصريحاته النارية بالسؤال الكبير: هل ستتحدى الولايات المتحدة روسيا؟

تقوم اللعبة الروسية حسب فرضية المؤلف على حسابات العملة الضخمة المودعة كسندات في الخزينة الأمريكية. والتي سيحركها العميل الروسي (شريفن) بالتزامن مع عملية إرهابية تماثل في صدمتها تفجير برجي التجارة، ما سيتسبب بتدهور سعر الدولار الأمريكي وتحطيم الاقتصاد القائم عليه. وبدل أن ينخفض سعر الدولار يرتفع كل يوم بضعة سنتات في الأسبوع الواحد. ومع تتابع  الهجمات الارهابية على الأراضي الأمريكية، سيبدأ الروس بالبيع، فيستغني العالم عن رصيدهم من الدولار. وبعد ذلك سيعاود الروس الانتعاش، بينما يغرق الأمريكيون في ديونهم، اذ لا يملكون احتياطات نفطية مثل الروس. وهذا يستدعي التلويح برعب الأزمة المالية عام 1837 وأزمة عام 1893 والمجاعة السوفيتية عام 1932 وما رافقها من تضخم جامح وانعدام الخبز واعمال الشغب.

ولأن الهجوم والبيع المكثف سيكون متزامناً متتابعاً، لذا يتوجب على مثل هذه السلسلة الضخمة من المعاملات أن تكون مبرمجة مسبقاً ومخزنة في نظام (شريفن) الحاسوبي.. ولذلك يتدخل جاك تحت مسمى المراجعة المالية ليخترق البيانات من أجل تحديد موعد الهجوم. وهنا تتغير صفة جاك من المحاسب أو العميل/ الشبح إلى العميل الحقيقي المزود بالسلاح والذي يقتل دونما تردد. وهذا يستتبع ملاحقات ومطاردات بوليسية تنكهها صديقة جاك (Keira Knightly) بلمسة الغواية الأنثوية.

وكالعادة الأمريكية في النيل من الخصوم وتفردهم، يجري تناول الشخصية الروسية بالهزء والسخرية، بالتركيز على سلبيات العميل (شريفن) وتعميمها على بقية المواطنين. بداية بالإغراق في الشرب وملاحقة النساء، وصولاً إلى ذم حق المواطن الروسي في الاعتزاز بمشاعره القومية، التي يرى فيها الأمريكي مبالغة رومانسية ملتصقة بالتراث الشعري العريق. لذلك ينجح جاك في مهمته ويحبط الهجوم الإرهابي وينقذ أمته ويغدو بطلاً، بينما يعاقب شريفن وابنه ألكسندر منفذ الهجوم في منهاتن بالموت ويحتسب موتهما قرباناً لانبعاث الأمة الروسية. وكأن الحساسية الروسية الموروثة تفشل دوماً إزاء الأنانية الأمريكية المرتكزة على الجشع وعبادة الدولار. ويظهر سيد البيت الأبيض أثناء اللقاء متوارياً ضجراً من مهارة أشباحه الاستخباراتية. وما ظهر ثقةً بالنصر المتكئ على الخداع، تبدّى أيضاً كإشارة خفية إلى بهتان تمثيلية الوصاية الأمريكية، وحتمية اندلاع الحرب الاقتصادية والكساد الأمريكي الكبير.

العدد 1104 - 24/4/2024