الاعتراف بدولة فلسطين.. خطوة يفترض استكمالها

يشير الإقرار الأولي أو النية البرلمانية أو الحكومية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبخاصة من قبل العديد من الدول الأوربية، إلى العديد من الحقائق، وبضمنها التعامل مع دولة فلسطين، بوصفها عضواً دائماً في الأمم المتحدة، والارتقاء من مستوى الاعتراف بها كدولة مراقبة في هذه المرجعية الدولية.. ويؤكد في العديد من جوانبه صحة المواقف الفلسطينية التي طالبت مبكراً بالإقدام على هذه الخطوة، لأهميتها أولاً، وبوصفها رداً على الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة ضد شعب فلسطين ثانياً.. فضلاً عن ما تؤسس له من مناخ دولي جديد للتعامل مع القضية الفلسطينية، خلافاً للتعاطف أو التأييد المعنوي والأخلاقي السابق.

وينظر باهتمام إلى نيات الاعتراف بالدولة الفلسطينية ورغباته، لأنه يأتي من قبل دول امتنعت عن التصويت على عضوية فلسطين المراقبة في الأمم المتحدة، قبل نحو ثلاث سنوات، وبخاصة دول الاتحاد الأوربي، إذ إنه يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح في التعامل مع القضية الفلسطينية، فإنه يؤكد صحة المواقف الفلسطينية الداخلية، على تنوعها واختلافها، التي طالبت بطرح هذا الموضوع من على منبر الجمعية العمومية في دورتها الـ،69 وضرورة أن تحدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة موقفها علانية وصراحة من هذه المسألة الحساسة والاستراتيجية.. وأن خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الدورة الأخيرة للجمعية العمومية، قد جاء محصلة لمواقف الأطراف الفلسطينية مجتمعة، وبخاصة تلك التي طالبت مبكراً باستكمال العضوية المراقبة التي نالتها دولة فلسطين، والوصول إلى موقف دولي واضح حول الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية.

وجاء التوافق الفلسطيني الذي مثله الرئيس عباس في خطابه أمام الدورة الـ 69 للجمعية العمومية، ليشكل نقلة نوعية في كيفية التعاطي الفلسطيني مع الأطراف الدولية، وبخاصة الممتنعة سابقاً، وخطوة عملية نحو التعامل الدولي بصيغته الجديدة مع دولة فلسطين، بوصفها دولة محتلة، على إسرائيل الانسحاب الكامل من أراضيها، وذلك في سياق الحل المتوازن لقضية الصراع الدائر منذ أكثر من 67 عاماً.

وعلى الرغم من الانتقادات الأمريكية (الفجة) والرفض الإسرائيلي لخطاب عباس الذي طلب فيه الاعتراف بالدولة الفلسطينية بوصفها دولة تحت الاحتلال، فإنه قد استند إلى توافق فلسطيني داخلي حول ضرورة وأهمية التعامل معه كمسألة مبدئية وطنية ودولية، وهذا ما تضمنه في كل الأحوال خطاب عباس.

ومن شأن هذه المواقف الأوربية التي بادرت إليها السويد، التي تتميز بتوازنها في التعاطي مع القضية الفلسطينية، فإن اتساع عدد الدول الأوربية الجاهزة للتعامل مع دولة فلسطين، وبخاصة المركزية منها، بريطانيا، إسبانيا، ألمانيا، إيطاليا، وغيرها.. يفسح المجال أمام تعاط أوربي مختلف مع القضية الفلسطينية ومع موضوعة الدولة الفلسطينية المستقلة، بوصفها أساساً لحل متوازن في قضية الصراع العربي- الإسرائيلي.

ورغم معارضة الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الخطوات الأوربية، بوصفها استمراراً للموقف الأمريكي من خطاب عباس، فإن أهميتها تكمن في مزيد من الإحراجات لدعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان والاستقلال الوطني، على رمزيتها، ولكن على أهميتها في الوقت نفسه.. كما من شأن هذه الخطوة أن تضع إسرائيل في موقع حرج، حول كيفية تعاطيها مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي المقدمة حقه في إقامة دولته الوطنية المستقلة، وأن تحرج بذلك كلا الدولتين أمريكا وإسرائيل في المحافل الدولية عموماً.

وتزداد أهمية هذه الخطوة وتبعاتها، وبخاصة أوربياً، في ظل تراجعات محلية وإقليمية في التعامل مع القضية الفلسطينية، بعيد المتغيرات التي شهدتها ومازالت المنطقة العربية، وبخاصة ما سمي بثورات الربيع العربي، وما أحدثته من اختلال في المواقف العربية والإقليمية، وتالياً الدولية، تجاه القضية المركزية في الصراع العربي- الإسرائيلي.

ورغم رمزية هذه الخطوة وانعكاساتها الإيجابية، فإنها تشكل إحراجاً واضحاً للإدارات الأمريكية، وكيفية تعاملها مع الموضوع الفلسطيني والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتضع إسرائيل في موقف معارض لأغلبية دولية، يتراوح موقفها بين التوازن إلى الإقرار بهذه الحقوق وتأييدها الكامل.

ومن شأنه أيضاً أن يضيف إنجازاً جديداً للقضية الوطنية الفلسطينية، في ظل التراجعات الحاصلة عربياً وإقليمياً، وأن يشكل إضافة إلى الإنجازات الوطنية الفلسطينية على الصعيد الدولي، وبخاصة بعد اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين عضواً مراقباً، وأن يدفع بالطرف الفلسطيني، على تبايناته، إلى مواصلة مسيرة الإقرار الدولي بحقوقه، وفي المقدمة مسألة الانضمام إلى مؤسسات الأمم المتحدة والهيئات المختلفة، وبخاصة ميثاق روما ومحكمة الجنايات الدولية وغيرها أيضاً.

وهذا ما يفترض بالجانب الفلسطيني أخذه بالحسبان، والتعاطي معه بجدية فائقة، بوصفه خطوة نحو تكريس دولة فلسطين في المحافل الدولية وتبعاته، بعد أن بدأت أوربا تقر بهذه الحقيقة، وتدنو خطوات نحو تجسيدها.

بقي أن نشير إلى أن على الجانب الفلسطيني الرسمي الاستفادة من هذا المناخ الإيجابي، على أهميته ورمزيته، للوصول إلى حالة دولية قانونية جوهرها دولة فلسطين المحتلة، وضرورة خلاصها من الاحتلال، وإقرار حق شعب فلسطين في العودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني.

العدد 1107 - 22/5/2024