مستقبل سورية… خيار سوري

أكثر من 150 خبيراً سورياً ودولياً التقوا في بيروت بين 22 و24 تشرين الأول ،2013 بدعوة من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي أوربا (الأسكوا)، لمناقشة الأجندة الوطنية لمستقبل سورية التي أعدتها هذه اللجنة، وحضر من سورية وفد يمثل هيئة تخطيط الدولة.

من حيث المبدأ، نحن نفضل أن يتولى السوريون وضع أجندتهم الخاصة لمستقبل بلادهم، في إطار حوارهم الوطني الشامل الذي دعونا إلينا منذ بداية الأزمة. صحيح أن الأزمة السورية اتخذت أبعاداً إقليمية وعالمية، ويساهم المجتمع الدولي حالياً ببذل الجهود لإنهائها بالطرق السياسية عبر مؤتمر جنيف ،2 لكن الصحيح أيضاً أن مستقبل سورية السياسي والديمقراطي، ونهجها الاقتصادي، وسياساتها الاجتماعية، قضية تخص أبناء الشعب السوري، وهي خيارهم المستقل عن إيحاءات ونصائح ووصايا من كان بعضهم سبباً رئيساً من أسباب أزمتهم وتداعياتها المدمرة، والذين يتلطون اليوم تحت مشروع الأجندة الوطنية المذكورة.

قد يبدو الحديث عن ملامح الاقتصاد بعد انتهاء الأزمة  التي تعصف بسوريا أشبه بالتكهن المحفوف بالمخاطر؛ فالأمر لا يتعلق هنا بالطريقة التي ستتبع لتفكيك هذه الأزمة فحسب، بل بطبيعة القوى السياسية الصاعدة بعد انتهائها، ومدى مطابقة مشروعها، لسورية المستقبل، مع طموحات الفئات الاجتماعية المختلفة، وبتحالفات هذه القوى على الصعيدين العربي والدولي، لكننا نريد لغدنا الذي نعمل لأجله، تلبية المصالح الاقتصادية والاجتماعية للفئات الفقيرة والمتوسطة، وعلى رأسها الطبقة العاملة، وصغار الفلاحين، وجمهور الحرفيين والمثقفين والشباب والنساء، التي وُعدت مع بداية الألفية الجديدة بإصلاح اقتصادي واجتماعي حقيقي يحقق مطالبها، باعتبارها تمثل أكثرية الشعب السوري، وتكررت الوعود بعد إطلاق الخطة الخمسية العاشرة، لكن ما حصلت عليه هذه الفئات كان السوق الريعي، واتساع الفوارق الطبقية، وارتفاع عدد العاطلين عن العمل.

لقد اختطف دعاة الليبرالية الاقتصادية الجديدة الاقتصاد السوري، ووضعوا القاعدة التشريعية لاقتصاد السوق الحر من جميع القيود، مستغلين موافقة البعض..  وتساهل البعض الآخر في الأجهزة الحزبية والسياسية، فكانوا..  وكان نهجهم الاقتصادي الرأسمالي الطفيلي سبباً رئيساً من أسباب الغضب الجماهيري الذي عبرت عنه الجماهير الشعبية قبيل الاحتجاجات التي شهدتها الشوارع السورية وأثناءها. لذلك لابد -حسب اعتقادنا-  من وضع خطة حكومية لإعادة إعمار ما خربته تداعيات الأزمة، تتولى فيها الدولة الجهد الرئيسي، بالمشاركة مع الرساميل الوطنية المنتجة، ومساعدة الدول الصديقة لسورية، في إطار تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة للنهوض بقطاعات الاقتصاد السوري الصناعية والزراعية والتجارية والسياحية، وتنفيذ الخطط الاجتماعية  الحكومية الهادفة إلى تخفيض نسب البطالة والفقر والأمية، وتنمية المناطق المتخلفة، وتمكين المرأة السورية بمساواتها التامة مع الرجل في الحقوق والواجبات.

لن نتجاهل في هذا السياق أي مساعدة تقدم إلى بلادنا لتحقيق هذا الهدف، على أن تصب في الحفاظ على سيادة سورية واستقلال قرارها السياسي والاقتصادي، بعيداً عن الصناديق الدولية، ومؤسسات الرأسمالية المتوحشة التي كانت دائماً حصان طروادة في الدول النامية. لا نعلم حتى الآن ماذا قدم الوفد السوري في اجتماعات الأسكوا المشار إليه، وما هي نتائج هذا اللقاء، فالبيان الصحفي الصادر عنه لم يتضمن من ذلك شيئاً كافياً!

العدد 1105 - 01/5/2024