لوثة الشهرة وخرائطها السرية

تقودنا الخرائط السرية لشهوة الشهرة الجامحة إلى مكامن الانحراف الجنسي والأخلاقي، التي تتلون وفقاً لصراع الأهواء وتواترها بين حدي الاشباع والحرمان. فينعكس سلوك ضحاياها نزقاً وعنفاً واستهتاراً بقيم الحياة الإنسانية وغايتها النبيلة. وقد نجح  الفيلم الأمريكيMaps to the Stars) ) في تجسيد حالة الارتهان لعبودية الشهرة، عبر كثافة درامية حادة تعكس الخواء الروحي لدى نخبة من النجوم المكلفين بتوجيه الذائقة الفنية الأمريكية. مما يجعله أشبه بالخريطة الخفية التي تقودنا نحو الأزقة الخلفية للنفوس ذات الواجهة البراقة. حيث يتكاثف هوس الشهرة ليفرِّخ تلك الانحرافات والانتهاكات. فتضخّم الذات يولّد احتقاناً يجد متنفسه في مسالك الكراهية والضغائن المتراكمة وتدرجات الاستحواذ العاطفي المرضي. وبينما ينسل التأزم الروحي ليغرق أجيالاً تتدافع في تقليد أعمى لنجومها، يتوالد العنف وتتكاثر مباذله تحت مزاعم الحرية الخلاقة!

تتوزع الرؤية الفكرية الفنية للفيلم وفق احتمالات إنسانية مرضية عديدة، تحقق حيوية درامية صادمة للمشاهد، إذ تتغلغل في صميم الحياة الاجتماعية لمشاهير النجوم السينمائيين وأبنائهم. بداية بالبطلة الأساسية هافانا /جوليان مور التي تتلقى علاجاً نفسياً عند كاتب سينمائي مشهور د.ستافورد، يعاني بدوره من مشكلة عائلية سيئة. بينما ابنه المراهق بنجي نجم أحد المسلسلات المشهورة يتعفن بملل سقيم وسط الأجواء السوقية المتهتكة لزملائه المراهقين من ابناء النجوم. بالمقابل تعاود ابنته المراهقة آغوتا الظهور تحت صفة كاتبة شابة مشوهة بالحروق توظفها هافانا كمرافقة شخصية لها.

تبدأ الأحداث فعلياً مع دخول اغوتا المنبوذة مدينة هوليود بصحبة سائق يمتهن الكتابة السينمائية. وتتزامن مع رغبات هافانا في اعادة تجسيد أحد أفلام والدتها المتوفاة، والتي كانت  ممثلة مشهورة جداً، رغم عدم تناسب الدور مع سنها المتقدم. وخلف إلحاحها تختبئ الطفلة الصغيرة التي كانتها يوم واظبت والدتها المتألقة على انتهاكها جنسيا تحت مزاعم الحب. أما آغوتا فأودعت مشفى الأمراض النفسية قبل خمس سنوات بعد أن أشعلت الحريق في المنزل وحاولت الانتحار مع شقيقها الصغير بنجي إثر اكتشافها حقيقة أبويها الشقيقين وزواجهما القائم على سفاح القربى. وتقع عودتها في منحى إعادة تصويب الانحراف بتفعيل الانتحار مجدداً.

لا يتيح لنا المخرجCronenberg David) ) برهة صغيرة للخروج من الأجواء الدرامية للتفسخ الأخلاقي، إذ سرعان ما يفضح زيف التعاطف الإعلامي الكاذب مع المرضى المحتضرين. حين يقوم بنجي بزيارة طفلة محتضرة في المشفى المخصص لأمراض السرطان برفقة كاميرات التصوير، ليستثمر أسطورته اعلاميا في مضاعفة شعبيته. ولكن شبح الطفلة يلاحقه في أحلامه ويدفعه لقتل شريكه الصغير في بطولة المسلسل. ويكفي عندئذ مبلغ مالي ضخم يوازي ثمن اريكة هافانا لإخراجه من الحجز. ويظهر ستافورد في الواجهة الخلفية وهو يفكر في كيفية استثمار المأساة إعلاميا كي يعوض خسارته المالية بتوقيف ابنه. 

يظهر العنف لدى آغوتا وبنجي كرد فعل طبيعي على سفاح المحارم، ثم كنتيجة لسلوك الأب العدواني تجاه ابنته الضالة، وصولا إلى تحقير هافانا لآغوتا بسبب غيرتها من علاقتها العابرة بالسائق. لذا تقتل آغوتا هافانا بوحشية حين يتحول استفزازها إلى إذلال..

ينتهي المخرج من دوامة الانحطاط التي تجتاح نجوم الفيلم بمشهد رومانسي يجمع الأخوين أمام بيتهما القديم المحترق ليتبادلا نذور الزواج قبل أن يستلقيا على الأرض انتظارا للموت. وهو حل فني بسيط يضع نقطة الختام اللامجدية للهاث مسعور وراء الشهرة وما يستدعيه من فائض الانحرافات المختلفة.

العدد 1105 - 01/5/2024