أحلام أردوغان باستعادة مجد الأستانة والباب العالي!

قبل مئة عام بدأت الحرب العالمية الأولى في شهر تموز 1914 وأعلنت الدولة العثمانية انضمامها في تشرين الثاني من ذلك العام إلى جانب دول الوسط (ألمانيا والنمسا وهنغاريا وبلغاريا) ضد بريطانيا وفرنسا، ثم لاحقاً الولايات المتحدة الأمريكية، وجاء ذلك الانضمام بعد تردد تركي استغرق شهرين من الزمن.

عقب هذا الانضمام للحرب، أعلن السلطان العثماني في بيان وجهه إلى القوات الحربية في 12 تشرين الثاني 1914 أن تركيا أُكرهت على حمل السلاح، لأن ملايين المسلمين يخضعون لظلم بريطانيا وفرنسا واستبدادهم، وأنها لأجل هذا تُعلن جهاداً مقدساً ضد هذه الدول يتوقف على نجاحه مستقبل المسلمين ورفاهيتهم. وقال السلطان في بيانه (إننا نأمل بعون الله وتأييده الانتصار في المعركة التي بدأناها بالاتحاد والتحالف مع ألمانيا والنمسا للقضاء على أعداء الإسلام).

واللافت للنظر أن دعوة السلطان هذه لقيت استجابات شعبية محدودة ونخبوية قليلة عند الأحرار العرب الذين لم تفلح دولة السلطان باسترقاق قلوبهم ولا إغوائهم، وكان العرب قد تجاوزا الدعاية الدينية والغطاء الديني لتبرير البقاء في ظل الطاعة لولّي الأمر العثماني، والذي بدأ الحرب بنقل جمال باشا السفاح قائداً للجيش التركي الرابع في سورية، ليقضي على الفكرة العربية والعروبة في مهدها، ويشن حملة على قناة السويس، مع احتفاظه بمنصب وزير البحرية، وقد وصل من إسطنبول إلى دمشق في 5 كانون الأول، وقاد حملة السويس ضد الجيش البريطاني في الفترة بين 28 كانون الثاني 1915 و3 شباط 1915.

آنذاك لم تكن دعوة الشريف حسين قد تبلورت، ولا الثورة العربية أُعلنت، وللأسف كافأ (السفاح) العرب بتعليقهم على أعواد المشانق في دمشق وبيروت، وافتتح ديواناً للتحقيق مع النخب السورية واللبنانية في مدينة عاليه بلبنان، الأمر الذي دفع بالحركة العربية (الجمعيات العربية السورية في دمشق وغيرها) إلى أوجها. ثم كان اللقاء مع فيصل بن الحسين والنخب العربية للتحضير والبدء بالإعداد للثورة، وقد بقيت الجيوش العثمانية في الأردن حتى شهر أيلول 1918.

المهم أن تركيا خرجت من المنطقة العربية مدحورة مكروهة، وازدادت الصورة سلبية بعد إلغاء الخلافة الإسلامية وأصبحت العلاقات مع تركيا في غاية البرودة، وأشاح الأتراح بوجوههم عن العرب ردحاً من الزمن.

ومنذ أواسط الثمانينيات من القرن العشرين بدأت تركيا بالالتفات من جديد إلى العرب، وأخذت تُحسّن علاقاتها مع بعض الدول العربية، ساعدها على ذلك انضمامها لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ثم جاءت حرب الخليج الثانية عام 1991 لتشترك تركيا مع أمريكا في ضرب العراق، ثم لتوافق على إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 ووضعت قواعدها من مطارات ومرافئ في خدمة الولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع القواعد العسكرية الأمريكية فيها.

في تلك الأثناء، بدأ صعود الإسلام السياسي في تركيا مع مجيء نجم الدين أربكان المتشدد نوعاً ما، لتحل محله فيما بعد وجوه أكثر انفتاحاً وأكثر شهوة لاستعادة مجد الأستانة والباب العالي، بمعنى أدق وأوضح شهوة إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية.

وكان لوزير الخارجية السابق ورئيس الوزراء التركي الحالي أحمد داود أوغلو دور كبير في ذلك، إذ صاغ نظريته حول دور تركيا الجديد في المنطقة في كتابه (العمق الاستراتيجي). والآن وفي ظل السلطان العثماني أرودغان، المعروف بالعناد والغطرسة والاحتيال، تريد تركيا العودة إلى الساحة الإقليمية والدولية بقوة، وأكبر مثال على ذلك إمساكها بالملف السوري وجعله بيدها وحدها، بالتنسيق مع قطر عبر فتح أراضيها وحدودها لتدريب الإرهابيين وتسهيل تسللهم إلى سورية لقتل السوريين وتخريب سورية، علاوة على نهب مصانع حلب بإيعاز مباشر من (لص حلب) أردوغان، كما تريد عدم تسليح الأكراد في مواجهة عصابة (داعش)، وتشترط أيضاً شروطاً تعجيزية يكون تطبيقها بيدها وحدها.

لاشك بأن عنوان هذه العودة التركية للمنطقة هو السيطرة على النفط والغاز، وتحييد الأكراد واستمرار مصادرة حقوقهم واضطهادهم في تركيا وخارجها، وعدم تسليحهم أكثر من اللازم، بما ينهي كل أحلام الأكراد بنيل حقوقهم في تركيا.. ولكن أردوغان يتجاهل حتى الآن مسألة إمكانية لجوء أكراد تركيا إلى المقاومة المسلحة داخل تركيا وإلى العنف من أجل الحصول على حقوقهم. لقد أمعن أردوغان في تجاهله وغيّه باللجوء إلى أسلوب قمع التظاهرات وكمّ الأفواه، وأكثر من ذلك أعلن مؤخراً أن عقوبة كل من يرمي حجراً في مظاهرة الحبس أربع سنوات.

هذه هي الديكتاتورية الفردية الطاغية والظالمة الأردوغانية المدعومة من الغرب.

العدد 1107 - 22/5/2024