صراع الضواري.. إلى أين؟!

أصبحت الصراعات الوحشية الدائرة على جزء من الأراضي السورية الواقعة تحت سيطرة المجموعات الإرهابية حديث العالم بأسره، وتحتل أنباؤها مكان الصدارة في وسائل الإعلام العالمية وفي المؤتمرات واللقاءات الدولية.

وليس في الأمر من غرابة، إذ إن مستوى الوحشية التي تمارسها هذه المجموعات تجاه بعضها البعض، وتجاه السوريين عموماً، هو مستوى لم يبلغه أي نزاع محلي أو إقليمي، منذ أكثر من نصف قرن من الزمن.. قولوا لنا في أي بلد من بلدان العالم يذبح المتقاتلون بعضهم بالسيوف والسكاكين وتقطع رقابهم ورؤوسهم وتصبح ملهاة تتقاذفها الأرجل، أو تترك في العراء لتأكلها الوحوش؟ أعلمونا أين يُشوى جلد الإنسان، وأين يؤكل كبده، وأين يوضع في الأفران، وفي أي مكان من العالم يرمى (الأسير) من الطوابق العليا إلى الأرض، وأين يُسحل سحلاً بعد قتله؟ إن كل ذلك جرى، للأسف، ويجري حتى اللحظة على أرض بلادنا الطاهرة التي لم تعرف طوال تاريخها إلا التسامح.

إن من يمارس هذا النوع من الوحشية هم المتقاتلون على الأرض السورية من غير السوريين.. وهم ممن غُسلت أدمغتهم وجرى حشوها بمفاهيم بائدة تعود إلى ما قبل التاريخ، ومجردة من كل إحساس إنساني.

إن الصراع الدائر بين هؤلاء الآن هو صراع على النفوذ والمال لا أكثر، وهم، دون أي استثناء، تنظيمات إرهابية لابد أن لها مرجعية عالمية، ومركزاً قيادياً دولياً يرجح أن يكون لبعض مجموعات القوى الحاكمة في الولايات المتحدة وإسرائيل.. وربما للجمعيات الماسونية أيضاً، دور في قيادتها.. وهي مسخّرة أصلاً للقضاء على كل ظاهرة تقدمية في العالم.. وفي الوقت الحاضر يجري الاستعانة بهم من قبل أوربا والولايات المتحدة والسعودية، ليكونوا ممثلين للمعارضة السورية في مؤتمر جنيف، ونعتقد أن ما من سوري شريف يقبل بأن يكون ممثلاً من هؤلاء. ولكن، رغم كل المعطيات والمعلومات الثابتة والمشاهدة بأم الأعين، فإن بعض السوريين الذين يدّعون المعارضة الخارجية، يجدون تبريراً لهذه الظاهرة الفريدة من نوعها، ويتحدثون عن أنها رد فعل طبيعي على ما يقوم به الجيش.

إن كل عاقل ووطني مخلص يتمنى ألا يُرتكب أي خطأ، لا من قبل الجيش ولا من غيره، تجاه أي مواطن، ولكن إذا لم يدافع الجيش عن أراضي الوطن، حين تعرّضها لعدوان خارجي، فمن يدافع عن الوطن إذن؟ أليس تسلّل نحو 75 ألف مسلح مدرب إلى سورية، من أكثر من 80 دولة، هو عدوان موصوف على حرمة ترابنا الوطني، لا يقابَل إلا بما يستحقه من رد فعل طبيعي؟ وهل كان يجب أن يُستقبل هؤلاء بالورود والرياحين؟

إن مؤتمر السلام حول سورية سيعقد في جنيف بعد عدة أيام، إن لم تعلن الولايات المتحدة فشلها في تأليف (وفدها) السوري (المعارض).. وسيكون على مائدة المفاوضات قضية أمن سورية ووقف العنف فيها.. كما ستبحث قضية مكافحة الإرهاب وتحويلها إلى مهمة عالمية، وسوف تتهرب بعض الجهات المشاركة فيه، أو تتلكأ، في تأييد اقتراح إضافة هذا البند إلى جدول الأعمال أو جعله البند الأول، لأن مكافحة الإرهاب في سورية وقتل آلاف المواطنين السوريين من مختلف الاتجاهات هو أمر لا يهم هذه الجهات.

إن تحقيق السلام في سورية، يجب أن يسبقه توفير مستلزمات السلام، وأهمها طرد الغزاة من الأراضي السورية، بالتعاون بين جميع الدول والفرقاء، ومنع تسللهم إلى سورية.

إن إدراج موضوع مكافحة الإرهاب وإعطائه أوّلية في البحث، هو أمر لا يتعارض مع مبادئ جنيف الأول والثاني، بل بالعكس، فأي سلام في سورية لن يتحقق إن لم يتم القضاء على الإرهاب المتمثل بالمجموعات الإرهابية فيها، وهو المدخل إلى البحث في تفاصيل الحياة السياسية المقبلة وإقرار التعديلات الدستورية التي تكفل قيام المجتمع الديمقراطي التعددي.

العدد 1105 - 01/5/2024