تصدير الخضار بين الأوّلية والخسائر.. وخير الأمور الوسط

قرارات متلاحقة في إيقاف تصدير الخضار إلى الأسواق الخارجية، وذلك من أجل خفض أسعارها، بعد أن شهدت ارتفاعات متلاحقة في السوق المحلية. فقد صدر قرار بتمديد وقف تصدير الخضار حتى 31/12/2013.

وهناك من قال إن وقف تصدير الخضار سيلحق الضرر بالفلاح، لأن أسعار التصدير مجزية أكثر من أسعار السوق المحلية، مما يدفع المستهلك إلى العزوف عن الزراعة في العام القادم، وبالتالي حدوث أزمة في الإنتاج الزراعي نتيجة لوقف التصدير.

وجاء وقف التصدير، نتيجة لارتفاع أسعار الخضار فور عودة التصدير، ولاسيما البطاطا والبندورة، وقد درست الحكومة تداعيات القرار بين تأثر مصدري الخضروات، وبيّن أثر الارتفاع على ملايين المستهلكين، وعليه اتخذ القرار بوقف تصدير كل الخضروات، للحفاظ على مستويات سعرية مقبولة للمواطنين.

وكان وزير الزراعة أحمد القادري أكد أن اقتراح التمديد يستند إلى عدة عوامل، من أبرزها أن الكميات المنتجة تكاد تغطي حاجة السوق المحلية، وأن أسعار الخضار محلياً تغطي تكاليف الإنتاج وتؤمن ربحاً مقبولاً للمنتج والمسوق ومناسبة للمستهلك.. مشيراً إلى أن تصدير أية كمية مهما صغرت تحدث خللاً في السوق المحلية وتتسبب في ارتفاع أسعارها على المستهلك. لكن بالمقابل أكد رئيس اتحاد غرف الزراعة محمد الكشتو أن وقف التصدير سيؤدي إلى خسارة المنتج، وإلى إحداث خروج المزارعين من العملية الإنتاجية، وأن وقف تصدير الخضار لن يخفض الأسعار.

وهنا لا بد من طرح سؤال هام وهو: هل حقاً ستنخفض أسعار الخضار في حال مدد إيقاف التصدير أم لا؟ وماذا عن المزارع؟ ولماذا لا توجد آلية معينة لدعم المزارع وتحقيق مصلحة السوق المحلية في آن واحد؟

معاون وزير الاقتصاد: وقف التصدير جاء لتأمين السوق المحلية

أوضح عبد السلام علي، معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، في تصريحه ل(النور)، أن إيقاف تصدير الخضار، سيعمل على خفض الأسعار، لأنه بمجرد سماع أن هناك تصديراً لأي مادة، فإن المادة تلقائياً يرتفع سعرها بنسب تصل إلى 40-50%. ولفت إلى أن وقف التصدير جاء لتأمين السوق المحلية من الخضار. إذ إن الحكومة تتكلف الكثير من الأعباء في تأمين الأسمدة والبذار وتسهل استيرادها، وبالتالي فهي تتحمّل الكثير، والمستهلك المحلي أولى بأن يذهب هذا الدعم والجهد إليه من الأسواق الخارجية، فنحن لسنا ضد التصدير، ولكن الأوّلية للسوق المحلية، ومن المفترض أن يحدث إيقاف التصدير هبوطاً في أسعار الخضار ضمن الأسواق المحلية.

وإذا ما تعرض المنتج والمزارع إلى خسائر ناتجة عن إيقاف التصدير قال علي: (من الطبيعي أن يضع المنتج ضمن حسابه أنه سيقوم بتصدير ما ينتجه.. ومن المفترض أن تكون الجهات المعنية عن هذا الأمر وزارة الزراعة واتحاد غرف الزراعة، بجانب المنتج وتشجعه على الاستمرار في الإنتاج، وأن تؤمن له التصدير وأن يكون له حق التصدير ضمن ضوابط معينة وضمن إحصائيات معينة وغير عشوائية).

وعن تنظيم التصدير في ظل الظروف الحالية أكد معاون وزير الاقتصاد، أن الحديث عن تنظيم التصدير في ظل الظروف الراهنة يحتاج إلى جهد كبير، لافتاً إلى أن هناك تراجع في الإنتاج وخروج عدد من المنتجين من الحلقة الإنتاجية، وبالتالي حدث خلل في الإحصائيات وحدث خلل في العملية الإنتاجية، لذا يصعب الحديث عن تنظيم التصدير في ظل الخلل الموجود.

رئيس اتحاد غرف الزراعة: الأسعار ليس لها علاقة بالتصدير

أوضح محمد الكشتو، رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية، في تصريحه ل(النور)، أن وقف تصدير الخضار لا يساهم أبداً في خفض أسعارها.. فعندما مُنع تصدير الخضار في رمضان، لم يكن هو السبب في خفض الأسعار، بل انخفضت الأسعار نتيجة طرح موسم الخضار في السوق، وهي كانت فترة انتقالية من شأنها أن ترتفع أسعار الخضار فيها، ولكن عندما جاء موسم الخضار انخفض السعر ولم يكن وقف التصدير هو الذي خفض السعر.

وأكد أن وقف تصدير الخضار يعرّض المنتج للخسارة، مؤكداً أن جميع المزارعين تعرضوا للخسائر، وبالطبع فعندما يتعرض أي منتج للخسارة فإنه سيتوقف عن ممارسه عمله، وبالتالي ففي العام القادم نتوقع حدوث أزمة خضار، بسبب قلة الإنتاج وخروج المنتجين من العملية الإنتاجية لخسارتهم.

وعن ما قيل بأن الإنتاج الزراعي الحالي بالكاد يكفي السوق المحلية أوضح الكشتو، أن هذا الكلام صحيح نظرياً ولكنه عملياً غير دقيق، إذ استندت بناء إحصائيات عن الكميات المزروعة وعن احتياجات سورية من المنتج المزروع. وبالطبع فإن هذه الحسابات نظرية فقط وبعيدة عن الواقع، لأنه لا يمكن الحديث في ظل الظروف الراهنة عن أرقام إحصائية دقيقة وتأشيرية عن الإنتاج. وهنا لا بد من السؤال: عندما احتسبت كمية الإنتاج، فقد قُسمت على عدد سكان سورية وهو 23 مليون نسمة، ولكن هل جميع السكان وجميع المحافظات تصل إليها المنتجات الزراعية أو بعض المنتجات؟ وهل حُسِب الإنتاج المحقق على الأرض؟ لذا فإن الاعتماد على حسابات نظرية أوقع المنتج في خسائر حقيقية.

وبالنسبة لما قيل عن أن أسعار الخضار محلياً تغطي تكاليف الإنتاج وتؤمن ربحاً للمنتج، وأن التصدير يحدث خللاً في السوق المحلية، سأل الكشتو: كيف احتسب سعر المازوت المقدّم للفلاح؟ هل حسبوه ب 60 ليرة للتر؟ ففي درعا على سبيل المثال يحصل عليه الفلاح ب 100 ليرة. وكيف حُسب سعر بذرة البندورة؟ هل حسبوها ب 20 ليرة؟ فإن الفلاح يحصل عليها ب 40 ليرة.. وهكذا؟ لذا نجد أن هناك عناصر كثيرة من الإنتاج لم تأخذ في الحسبان يتحملها الفلاح وحده.. فالمنتج في ظل الظروف الحالية يجب تعويضه، وهنا يمكن أن يكون هناك خياران: إما منع التصدير وشراء  مؤسسات التدخل الإيجابي للمنتج من الفلاح بسعر يحقق له ربحاً، أو السماح بتصدير منظم. فهناك أنواع من الخضار مخصصة للتصدير، فلماذا لا يُركز عليها مثل الخيار المغلف والبندورة ذات الحجم الصغير. إذ يوجد 13 لوناً من البندورة ولا استهلاك إلا للون واحد فقط؟ كما أنه يمكن أن نمنع التصدير لفترة محددة دون أن نعرض المنتج للخسائر. وعلى الحكومة أن تسأل المزارع وتعرف أوجاعه وتدعمه، فعندما تدعم المنتج فهي تدعم المستهلك. وإعادة إنعاش الاقتصاد السوري يجب أن يرتكز على إعادة الاقتصاد الزراعي المحلي، ولكن ما نجده حالياً هو أننا في وضع حرب والاقتصاد هو اقتصاد رفاهية.

تعليق: التوازن.. مطلوب

يعد الاقتصاد الزراعي الحلقة الأولى لكل اقتصاد في العالم، كما أنه من الأوّليات التي يجب التركيز عليها، وخروج الفلاح من أرضه يعني خسارة كبيرة للوطن وللمواطن وللاقتصاد برمته. فسورية تعتمد على الزراعة ثم الصناعة بالدرجة الأولى، ودون الزراعة لا يمكن للصناعة الوطنية أن تتحرك.. وبالطبع فإن التصدير من شأنه أن يحقق أرباحاً للمنتج ويجلب المنفعة للخزينة العامة، ولكن في الوقت نفسه فإن التصدير قد يعمل على فقدان المواد من السوق المحلية، إذ الأمر يحتاج إلى توازن ودراسة واقعية. ولا بد من التركيز على تنظيم التصدير قدر الإمكان، بحيث لا نبخس حق أحد وأن يتم دعم المزارع وتشجيعه على التمسك بالأرض.

ويمكن للحكومة إذا أوقفت التصدير أن تشتري المنتجات من الفلاح والمزارع بأسعار التصدير، وتطرحها في الأسواق بسعر تدخلي. وبالطبع فإن إجراء كهذا سيكلف الحكومة مادياً، ولكن في الوقت نفسه ستضمن عدم خروج الفلاح من الدائرة الإنتاجية، وهو مقترح ينبغي تطبيقه أيضاً على الثروات الزراعية والحيوانية في حال حدث نقص لها في السوق المحلية، كاللحوم الحمراء مثلاً.

العدد 1107 - 22/5/2024