الحرية الأمريكية المزيفة!

انعقدت يوم الثلاثاء الواقع في 28 تشرين الأول 2014 جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وطُرح مشروع قرار لإلغاء الحصار المفروض على كوبا، وقد صوّتت لصالح القرار 188 دولة من أصل 193 وطبيعي أن تصوّت ضد القرار أمريكا وإسرائيل، وامتنع عن التصويت ميكرونيزيا، جزر الشمال وبابلو.. وهذا المشروع يعاد للمرة ،23 وتبرهن فيه أمريكا منفردة مدى تغطرسها ومواقفها ضد حرية الشعوب وعيشها بأمن وسلام، ولاتزال تحيك المؤامرات ضد كوبا وشعبها وقيادتها، وتفرض حصاراً جائراً ضد الشعب الكوبي المسالم طوال عقود متعددة، وبالصورة نفسها والنهج ذاته تحاول فرض سيطرتها على دول أمريكا اللاتينية التي قررت شعوبها الانتفاض ضد ظلم الأمريكان والغرب. وبدأت منذ عشرات السنين الانتفاضات والثورات الشعبية في أكثرية دول أمريكا اللاتينية، من الأرجنتين إلى فنزويلا إلى البيرو والبرازيل، وبقية دول أمريكا اللاتينية. ونجحت قوى اليسار والديمقراطية بالأغلبية في الانتخابات، وأصبحت القوة المؤثرة إن لم تكن الفاعلة في مجتمعاتها.

إن عقد مؤتمر الأحزاب الشيوعية العالمية في تشرين الثاني القادم في الأورغواي، هو تعبير عن دعم كل قوى اليسار والشيوعية والماركسية في العالم وتضامنها مع دول أمريكا اللاتينية مجتمعة، من أجل الحرية للشعوب، لتعيش بأمن وسلام بمجتمع تقدمي ديمقراطي ضد كل أنواع الاستغلال والاضطهاد.

لم يستغرب أحد الموقف الأمريكي السلبي تجاه كوبا وشعبها، لأن سياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها وتمارسها أمريكا والغرب في كل الأزمات الدولية، من كوبا إلى فيتنام إلى أفغانستان والعراق مؤخراً، وأزمة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وآخرها المواقف المتقلبة والداعمة للإرهاب، ومخطط تقسيم المنطقة إلى كانتونات صغيرة عرقية وطائفية، وضرب بنيتها التحتية واقتصادها واستغلال مواردها النفطية، كله يصب في صالح إسرائيل وتمكنها من السيطرة على المنطقة لعقود كثيرة، ولتمرير مخططها وحلمها بإعلان الدولة اليهودية الصرف على أرض فلسطين.

وأمام كل هذه المحاولات يقف المجتمع الدولي والعربي والإسلامي متفرجاً، وفي أكثر الأحيان داعماً لتنفيذ المخطط الأمريكي كما حصل للعديد من الدول العربية تحت مسميات مختلفة، وآخرها نكتة مايسمى (الربيع العربي)، وما يحصل حالياً على مدى أربع سنوات في سورية، من دعم وتمويل وتدريب للإرهاب، وضرب الاقتصاد الوطني وسرقة المؤسسات والمنشآت الاقتصادية الضخمة والنفط والغاز السوري وبيعه من قبل المنظمات الإرهابية إلى تجار الحرب الأتراك والأمريكان. ويتم كل ذلك علناً أمام الرأي العام العالمي.. والآن تطل علينا أمريكا والغرب بتشكيل تحالف تحت اسم مزيف (مقاومة الإرهاب في سورية والعراق) وبمساهمة خليجية، بعد محاولات عدة لاستنزاف طاقات الجيش السوري. ولقد ثبت عجزهم عن تنفيذ مخططهم، فتجري محاولات للتدخل الخارجي والمس بسياسات الدول تحت مشاريع جديدة ومايسمى من تدريب للمعارضة المعتدلة.

 عن أي معارضة مسلحة ومعتدلة يتحدثون؟ ماتبقى من (داعش) و(النصرة) وبقية المنظمات الإرهابية والوهابية، وهل يعقل أن من أوجد الإرهاب وموّله ودعمه أن يسعى لضربه؟

التاريخ يعيد نفسه، وماحدث في أفغانستان يتكرر في يومنا هذا. لكن الشعوب ليست غبية لكي تمرر هذه النكت والحجج، وأصبح واضحاً ومفضوحاً للعالم أجمع وعلى لسان الخبراء العسكريين الأمريكيين والغربيين أن ماتقوم به قوات مايسمى بالتحالف ضد الإرهاب، ليس هدفه القضاء عليه بهذا التصرف. على من يرد فعلاً القضاء على الإرهاب أن ينسق أولاً مع الدول التي تتعرض للإرهاب الدولي من كل أنحاء العالم. وهذه الاستعراضات الجوية على مدى مايقارب الشهرين لم تأت بأي نتيجة حقيقية على الأرض، وماهي إلا محاولات جديدة للتدخل في سياسة الدول الداخلية والمس بأمنها واستقلالها. وامتصاص النقمة الداخلية التي تتعرض لها الحكومات المختلفة من شعوبها وأحزابها الوطنية واليسارية، وصرخات الاستنكار للمواقف الأمريكية وحلفائها في المنابر الدولية كافة.

العدد 1107 - 22/5/2024