من الصحافة العربية العدد 658

كفى شماتة… الإرهاب في نفوسنا

يكفي أن يلقي المرء نظرة على مواقع التواصل الاجتماعي في مجتمعاتنا ذات الغالبية العربية الإسلامية بعد العمليات الإرهابية التي ضربت في اليومين الماضيين فرنسا، ليكتشف كم في نفوسنا من العنصرية والحقد اللذين يشجعان ضمناً الإرهاب ويهللان له.

لو أحصينا كم مرة ترددت في الساعات الماضية عبارة (طابخ السم آكله) لفهمنا أن الأمراض الدفينة في مجتمعاتنا وفي عروبتنا وفي إسلامنا تشكل اليوم جسراً صلباً يعبر فوقه الإرهاب في كل اتجاه. لا بد من نهضة عربية إسلامية تصحح خلل الداخل قبل النظر الى الخارج، لأن هشاشة الداخل هي التي شرّعت النوافذ والأبواب لكل غازٍ وطامع وطامح وسارق.

نعم في الممارسة الإسلامية خلل كبير. لنعترف بذلك. ثمة جمود فكري لم يتطور منذ قرون. وفي الممارسة عجز عن اللحاق بالتقدم العلمي والاجتماعي في الغرب، فلا نجد سبيلاً إلا في تحطيم هذا التقدم لكي نبقى والغرب على المستوى نفسه. نجره الى الأسفل طالما لم نرتق الى مرتبته. نعم في العروبة خلل فاضح. لنعترف بذلك. تحولت العروبة الى مطيّة لديكتاتوريات وأنظمة تسلط أمني. قعمت الحرية والفكر وألغت العرقيات، فانتفضت العرقيات عند أول مفترق طرق. قتلنا عروبتنا لكثرة ما هللنا لها ونحن ننحرها.

نعم في اليسار العربي انتهازية مقيتة انهارت بمجرد تفكك الراعي السوفياتي، وانهارت أكثر حين عبرت ثروات طائلة الحدود كما حصل مثلاً حين نجح الرئيس الشهيد رفيق الحريري في جذب معظم أقطاب اليسار اللبناني. تبيّن أن الشيوعية أو الاشتراكية مجرد تقطيع للوقت بانتظار الثروة، وحين يحضر المال تموت المبادئ على قارعات الطرق. ليس مهماً أن تكون شيوعياً وأنت فقير، الأهم أن تبقى حين تلوح لك الثروة.

لا شك أن من فقد قريباً أو عزيزاً في الحروب المتتالية على بلادنا والتي يتحمل الغرب جزءاً كبيراً من تأجيجها، له الحق في أن يُعبِّر عن بعض الغضب والشماتة. ولا شك أن من نُهبت خيراتُ بلاده من قبل هذا الغرب، يحق له أيضاً بعض الغضب. لكن أن نفرح بموت أبرياء على أيادي إرهابيين يزرعون الرعب والقتل والذبح باسم الدين، فهذه بحد ذاتها مصيبة.

الإرهاب هو الإرهاب. الذين قتلوا في فرنسا في اليومين الماضيين هم أنفسهم من يقتل في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر والصومال وتونس. لنتصالح مع أنفسنا ونعترف بأن المصيبة فينا قبل أن تكون في غيرنا.

إن تربيتنا المذهبية الحاقدة حتى على المذاهب الأخرى هي السبب. وتربيتنا الطائفية المشككة والمحتقرة للطوائف الأخرى هي السبب. وممارسة الدين التي كان يجب أن تحسن أخلاق مجتمعاتنا هي التي أغرقته بالتطرف والمذهبية والحقد والبغضاء.

يقال عن فرنسا اليوم (إن طابخ السم آكله)، ربما في أخطاء السياسة الفرنسية ما يجعل أماً ثكلى أو أباً مفجوعاً أو يتيماً يقول هذا، لكن ألم يُقل الشيء نفسه عن سورية بتهمة أنها سهلت مرور إرهابيين لمقاتلة الأمريكيين في العراق؟ ألم يقل الشيء نفسه عن غزة وهي تموت تحت الدمار والقتل في آخر حرب همجية إسرائيلية ضدها على أساس أن حماس متورطة بحربي مصر وسوريا.

تارة نلوم الغرب أنه انتهك بلادنا فقتل وقسّم، وتارة نلوم إيران أنها وسعت نفوذها، وثالثة نلوم تركيا أنها تستعيد مجدها العثماني السلجوقي في بلادنا، ورابعة أن روسيا تستفيد من الدم العربي، وخامسة أن قواعد (الأطلسي) ومخالبه في جسدنا.

كل هذا ليس إلا قناعاً لضعفنا وجهلنا وتخلفنا وتقاتلنا وتناحرنا وتآمر بعضنا على بعضه الآخر. لا بد من إعادة صياغة أسس هذا العقل الإسلامي العربي لكي نحفظ الإسلام والعروبة ونحافظ على المسيحيين وكل الطوائف والأعراق والمكونات الأخرى في أوطاننا. لا بد من ثورة حقيقية في الممارسة الإسلامية وفي بعض التأويلات التي تشرع قتل المسلم للمسلم الآخر قبل أن تفكر بعدوّ هذه الأمة.

كفى شماتة لا تعبّر إلا عن جهل وحقد.

سامي كليب

(الأخبار 9/1/2015)

 

الحرب على الإرهاب: إخفاقات أمريكية بمليارات الدولارات

في الحروب التي خاضتها وتخوضها الولايات المتحدة في كل من أفغانستان والعراق وغيرهما، يظهر الكثير من النقد وبعض المحاكمات لمخالفات تتعلق بتصرفات بعض الجنود، فيما يظهر القليل من النقد لفشل هذه الجيوش المجهزة بتكلفة كبيرة في إلحاق الهزيمة بالإرهابيين المسلحين تسليحاً خفيفاً، والذين دربوا أنفسهم بأنفسهم. ولا ينطوي السؤال على الأهمية التاريخية أو الأخلاق فقط، لأن الولايات المتحدة وحلفاءها يعاودون الدخول في الحروب الجارية في العراق وسوريا، في إطار ما سمّوه (إضعاف وتدمير داعش).

بعد قيام (داعش) بغزوة الموصل واحتلالها أجزاء واسعة من العراق، لم نلحظ لوماً يلقى على كاهل الجيش الأمريكي وإدارته في عدم نجاح هذه الإدارة في العراق، حيث ينظر إلى الفشل هناك على أنه فشل عراقي داخلي في إدارة البلاد، أو على الأقل، هكذا حاولت الإدارة الأمريكية اختزال المشهد.

لكن الحقيقة هي أنه فشل مزدوج تتحمل فيه الإدارة الأمريكية (سياسة وعسكراً) مسؤولية كبرى، فيما تتحمل فيه الحكومات العراقية المتعاقبة مسؤولية الاستمرار في السياسات المغلوطة التي بدأها المحتل الأمريكي.

لقد تمظهر هذا الفشل في العراق منتصف العام الفائت بعد أحداث الموصل. فقد أنشأت الولايات المتحدة الجيش العراقي ودربته بكلفة كبيرة، ولكنه تقهقر على يد قوة أصغر وأقل تسليحاً بكثير. لم يكن الإنجاز الذي حققه (داعش) انتصاراً بالمعنى العسكري، بقدر ما كان فشلاً ذريعاً للمنظومة التي حكمت العراق منذ عهد (الحاكم المدني) الأمريكي بول بريمر برغم مليارات الدولارات التي صُرفت على بناء الجيش والشرطة العراقيين، والتي ذهبت بمعظمها إلى جيوب سماسرة السلاح والمتنفذين. ويكفي الاطلاع على ما اعترف به رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، حين أكد أن 000,50 من (الجنود الأشباح) كانوا مجرد أرقام تتحول رواتبهم عن طريق الاحتيال إلى جيوب ضباطهم.

قامت الولايات المتحدة ببناء الجيش والشرطة العراقية من نحو 350.000 جندي ونحو 650.000من رجال الشرطة، بتكلفة بلغت 26 مليار دولار منذ العام ،2003 وفقاً لتقرير صدر عن المحقق الأمريكي الخاص في شؤون إعادة إعمار العراق. فكيف تم إنفاق 9.4 مليار دولار على تدريب الشرطة العراقية وتوظيفها وتزويدها، برغم أن هذه القوة معروفة بفسادها وعدم كفاءتها، بينما ذهبت 3.4 مليار دولار أخرى في إطار تزويد الجيش العراقي بالدبابات والطائرات والقوارب وناقلات الجند المدرعة ومعدات أخرى، استولت (داعش) على الكثير منها في وقت لاحق؟

بعد أحداث الموصل بدأت الإدارة الأمريكية بإرسال آلاف الجنود الأمريكيين إلى العراق لتدريب الجيش العراقي من جديد. حدث ذلك من دون أن يسأل أحد عما حصل بين العامين 2003 و2014. لماذا وكيف يتمكن (داعش) من القتال بفعالية بمجموعات لم تتلقَ تدريباً طويلاً في حين أن الجيش العراقي لا يستطيع!

بعد أكثر من 10 أعوام من الحرب في العراق وسوريا وأفغانستان، تمكن (الإرهابيون)، من تطوير المزيج الأكثر فعالية من التكتيكات العسكرية وأساليب الهجوم التي تناسب الظروف المحلية، في الوقت الذي اعتمدت فيه الجيوش الغربية على استعراض تكنولوجياتها الحربية طمعاً بإبرام صفقات الأسلحة التي لا تتناسب مع نوعية هذه الحروب، فضلا عن الدعاية الإعلامية لهذه الأسلحة التي تحفز شهية حلفائها لامتلاك طائرات الهليكوبتر والدبابات والمدفعية الباهظة الثمن، والتي لا تحقق إلا نجاحاً محدوداً جداً في الظروف العراقية والسورية.

في المقابل، ارتكزت (داعش) في عملياتها العسكرية على التفجيرات الانتحارية واستخدام القناصة وفرق الهاون بشكل أساسي، إضافة إلى اختراقات أمنية عبر شراء الضباط والشخصيات المركزية الذين فتحوا لها الطريق لاحتلال بعض المناطق والمدن. لكن سلاحها الأكثر فعالية كان الدعاية الإرهابية التي تروجها من خلال نشر جرائمها عبر شبكة الإنترنت وتجنيد العناصر، برغم كل التطور التكنولوجي الغربي الذي يسمح للغرب بمراقبة وعدّ أنفاس من يستعمل الانترنت، ما يطرح علامة استفهام كبرى على أداء الغرب وجديته في محاربة الإرهاب على الشبكة العنكبوتية. وبرغم الخسائر التي تعاني منها (داعش)، إلا أنها ما تزال في وضع يمكنها من تجنيد المقاتلين من السكان الموجودين في مناطق تحت سيطرتها، أو من بلاد بعيدة عنها.

محمد محمود مرتضى

(السفير 10-01-2015)

العدد 1107 - 22/5/2024