في ذكرى تحرير القنيطرة

في 26 حزيران 2015 تنداح بي الذاكرة واحداً وأربعين عاماً خلت، إلى يوم السادس والعشرين من حزيران عام 1974 وأستذكر عروس الجولان، فخر المدائن، وزمردة البلدان، القنيطرة التي تضفرت بأكاليل الغار، وتزينت بشقائق النعمان والأقحوان، وتعطرت ببخور مزا رتلّ علي أبي الندى، وتضمخت بطيب الرشاد، والنفل، والشمرة، والزعتر، وتوشحت بقطيف من نور الشمس، والتماعات ضوء القمر، وحملت في يدها أضمومة من أشجار الميس، وباقة من الجلنار، واكتست عباءة من خزامى وقصب، وتقدمت بتيه وفخر، وعنفوان وألق نحو أبناء الوطن الذين تنادوا من كل حدب وصوب، ليشهدوا لحظة تاريخية، ويوماً مشهوداً.

وتقدم الرئيس الراحل حافظ الأسد محفوفاً بزحوف أبناء الوطن، وقبّل علم الوطن، وررفعه شامخا عالياً في سماء مدينة القنيطرة، إيذاناً بتحريرها مع عدة قرى ومزارع في الجولان، ومنطلقاً لتحرير كل ذرة من تراب الجولان.

 واليوم بحضرة ذكرى الفرح الجولاني، وعودة عروس الجولان من الغربة والأسر الكريه، نؤكد أن الجولان هو الأحلى والأغلى، والأبهى والأزهى، والأسمى والأنقى، والبوح والفوح، والحب والمحبة، والنور والمنارة، وأشواق لا تنتهي.

عند ذكر الجولان، تفرح الشفاه، وتتألق العيون، وتندى القلوب، وتنتشر الطيوب، وتتسامى النفوس، وتخضر الأرواح، وتنتشي ضفائر الآقاح، ومن أردانه تتعطر أنفاس الصباح.

ولأن الجولان لنا، ونحن الجولان الذي تشكل ترابه من رفات الشبول النشامى من الآباء والأجداد، وتعمدت أرضه بنجيع الدم الطهور، نذكر اليوم أملاً لا يخامره شك، أن نحرر أخوات القنيطرة، وفلذات كبدها، وتعود جبب الميس، ومجدل شمس، ومسعدة، وجباتا الزيت، وواسط، والسماقة، والمنصورة، وقرحتا، وراوية، وعين عيشة، وفيق، وسكوفية، وكفر حارب، والدلوة، والبطيحة، وكل شبر من تراب الجولان الحبيب، فتشمخ هامات شقائق النعمان، ويزداد السنديان تجذراً، والدوالي خضرة، ويبتسم الملول والعبهر، ويفوح السِّدر نشراً وطيباً، وتصبح انحناءات البطم أكثر جمالاً، وتزهو امتدادت الميس تعانق الغيوم شموخاً، ويتهاوى الندى مكللاً تل الشيخة، وتل الفخار، وجبل الشيخ الأشم، فيعم الفرح، ويغدو الزمن بطيئاً، والمكان أكثر دفئاً ومحبة واطمئناناً، فتنبعث من جديد الغزلان، والزرازير، والحمائم، ويصبح للتراب شميم مختلف، ويظهر الفرح ألقاً في العيون، وحمرة في الوجنات، وتنحني الوجوه تقبّل التراب الخضيب.

العدد 1105 - 01/5/2024