لايوجد أغلى من الوطن إلا الوطن

كم كان صحيحاً ما قيل: (حب الوطن من الإيمان)! وما قاله الشاعر الكردي الكبير جكر خوين:  شام سكرة ولكن الوطن أحلى – فالوطن هو الأرض، والعرض، والكرامة، والشرف، والضمير، والوجدان، فالإنسان الذي لا وطن له تتعرض لديه كل هذه الصفات للاهتزاز، وكلنا نعلم الآن ما يحدث في مخيمات اللاجئين السوريين في العراق والأردن ولبنان، وخاصة المخيمات في تركيا من اعتداءات لا أخلاقية وغيرها من الاعتداءات التي تمس كرامة الإنسان السوري في هذه المخيمات، إضافة إلى استغلال فقر هؤلاء المهجرين لدفعهم إلى القيام بأعمال إرهابية منافية لأخلاق المواطن السوري الذي يعتز دوماً بأخلاقه الرفيعـــــــة وحبه لوطنه ولشعبه، فضلاً عن موت العشرات من البرد والجوع في هذه المخيمات.

لاشك في أن هناك الآن صعوبات اقتصادية واجتماعية وأمنية يعيشها شعبنا، نتيجة السياسات الاقتصادية التي كانت تنتهجها الحكومات السابقة التي ساهمت في زيادة الفقر والبطالة والهجرة، ثم جاءت هذه الحرب ولعبت قوى الإرهاب دوراً تخريبياً كبيراً في ضرب البنية التحتية للاقتصاد، وكذلك تدمير المراكز الصحية والثقافية والعلمية ودور العبادة، ومارست النهب والسلب والذبح والجلد ومازالوا يمارسون هذه الممارسات الإجرامية بحق الوطن والشعب.

مؤخراً استيقظت بعض القوى المضللة وتحققت بعض المصالحات الوطنية وعادت إلى أحضان الوطن، وهذه ظاهرة جيدة وستتعزز حتماً نتيجة الانتصارات الكبيرة التي يحرزها جيشنا الباسل على الأرض.

البعض، مع الأسف الشديد، يرى الحل لهذه الازمة في الهجرة إلى خارج الوطن والهروب من الخدمة الإلزامية وكفى الله المؤمنين شر القتال! والسؤال الكبير: متى كان الشاب السوري يهرب من خدمة العلم؟

لا شك في أن الإعلام الغربي والصهيوني والسلجوقي وكذلك قوى الفساد لعبت دوراً كبيراً في نشر ثقافة الاستهلاك اللاوطنية لدى بعض الأجيال الشابة، وبالفعل هناك المئات بل الألوف هاجروا، خاصة الشباب وبعضهم بدأ بالعودة لأنهم عانوا الويلات من الهجرة وأصيب الكثير منهم بأمراض نفسية، وآخرون لم يعد بإمكانهم العودة لأنهم باعوا ما يملكون في الوطن حتى بيوت السكن، والبعض الآخر يكابر ويحاول أن يكذب على نفسه بأنه يعيش بشكل جيد، وهذه ليست الحقيقة.

إن الحل ليس أبداً بالهجرة، وهذا لم يكن حلاً لشعوب العالم ولشعبنا يوماً ما، فالشعب السوفياتي قدم أكثر من 30 مليوناً في الحرب العالمية الثانية، وكذلك الشعب الجزائري والفلسطيني والكردي وغيرهم.

إن الأحداث والتطورات أكدت أيضاً أن اقتصاد السوق للحكومات السابقة قد مهد لقوى الإرهاب للقيام بالأعمال التخريبية، كما أكدت الأحداث أن الطبقات الكادحة هي التي لعبت دوراً هاماً ولا تزال تلعب دوراً أساسياً في الدفاع عن الوطن واقتصاده ومحاربة قوى الإرهاب. وأبناء الكادحين في الجيش السوري الباسل الذي يسعون للدور الأساسي له في حماية الوطن وتطهيره من رجس التكفيريين الوهابيين، أما الأثرياء الكبار فذهبوا إلى عند أسيادهم في الغرب ودول الخليج وإلى الجار اللدود النظام التركي العثماني.

أما دول الشرق وخاصة إيران وروسيا والصين ودول (البريكس) و(ألبا) فقد وقفوا إلى جانبنا ضد الدول الغربية وضد دولة الكيان الصهيوني والرجعية العربية والدولة الطورانية، وهذا لا يعني أبداً التطابق في كل المواقف، فيبقى الاعتماد الأساسي على شعبنا وجيشنا وقوانا الوطنية والتقدمية. لذلك أرى ضرورة التوجه اقتصادياً وحتى سياسياً إلى دول الشرق، وضرورة الاهتمام بأوضاع الطبقات الكادحة ومحاربة الغلاء والفساد والبطالة وتعزيز دور القطاع العام وتقوية الزراعة والصناعة، وأن تعود الدولة إلى استلام المفاتيح الأساسية في الاقتصاد وخاصة التجارة الداخلية والخارجية والمؤسسات العلمية والصحية، فبهذا تساهم جديا  في تقوية الروح الوطنية وتحد من الهجرة.

يقول الإمام علي (كرم الله وجهه): (الفقر في الوطن غربة)! ويقول ماركس: (قبل أن نفكر يجب أن نأكل ونلبس ونسكن).

أما حول الحلول السياسية التي هي موضوع الساعة فهي مطلب كل الشرفاء الذين يريدون الخير لبلدهم وشعبهم ويريدون الانتهاء من الأزمة الراهنة، خاصة السياسيين الوطنيين الذين لم يمارسوا ولم يشاركوا بالأعمال الإجرامية والتخريبية، ولا يطرحون شروطاً تمس سيادة الوطن ووحدته أو شروطاً تعجيزية غير قابلة للتطبيق.

العدد 1105 - 01/5/2024