«دوبران» حكومي

دخل العام الجديد بنور جديد يشق ظلام الليل الحالك ليبشر أرواح المواطنين بالأمل والفرج القريب، لكن جميع الطرق المؤدية غير سالكة منذ العام المنصرم، وخدمات الحياة البسيطة باتت حلماً صعب التحقيق والحكومة نائمة لارتفاع نسبة السيتامول في حبة الدوبران غير المطابق للمواصفات السورية، وزينة الهدى تجمّد السوريين وتحول الأطفال مجسمات بلورية، والمازوت يتراقص بين أيدي المستغلين كما حال جرة الغاز المسكينة، فأعلنت الكهرباء الرحيل إلى عالم آخر.

حال السوريين بات صعباً في زمن أعلن الفقر احتلاله وسطوته على جميع مكامن المجتمع السوري الذي يعيش حرباً كونية للسنة الرابعة، ولم تعد حرب السلاح والقتل والإرهاب وحيدة، فالمناخ أعلن حربه أيضاً بعاصفة هوجاء باردة اجتاحت البلاد منذ الأسبوع الماضي، فأصبح وضع المواطن السوري أكثر سوءاً في غياب المازوت الذي يعتبر المادة الأساسية للتدفئة، فالمواطن لم يحصل حتى اليوم على حقه من المازوت المخصص للتدفئة وخاصة في المناطق الباردة، والحكومة لم تفِ بوعودها. ولم تقدم الحكومة في أيام هذه العاصفة الشديدة أي عذر أو شيء للمواطن الذي يتجمد من البرد هو وأطفاله، ولم تعد الحرامات والأغطية تجدي نفعاً بعد وصول درجات الحرارة إلى أكثر 10 درجات تحت الصفر، وبوصول سمْك الثلوج إلى أكثر من مترين. وليس وضع جرة الغاز بأفضل لأنها أصبحت سلعة بيد المستغلين أيضاً، وواقع الكهرباء إلى أسوأ، فمثلاً الكهرباء في دمشق نادراً ما تأتي، وكذلك في المحافظات الأخرى، وبالنسبة لأخشاب التدفئة وصل سعر الطن إلى 50 ألف ليرة سورية وهو غير متوفر! فماذا يفعل المواطن في ظل هذه الظروف السيئة وموجة الجليد الأقوى منذ سنوات طويلة تجتاح البلاد؟ هل من حل حكومي؟ بالتأكيد ليس هناك حلول فالقصور المخملية تنعم بالتدفئة والكهرباء وبكل وسائل الحياة المرفهة، وعلى المواطن أن يدبر رأسه فهو ليس مهماً إن مات أو بقي حياً.

في جولة لنا في الساحل السوري والمنطقة الجبلية التي تأثرت جداً بالعاصفة القوية بدا أن التخريب الذي أحدثته كان كبيراً بسبب سرعة الرياح العالية السرعة، ففي بانياس كانت الأضرار كثيرة بدءاً من الكورنيش الذي لم يبق منه سوى اسمه فقط، فالموج العالي حطم معالمه الجميلة. ولم يكن الحال أفضل للبيوت البلاستيكية في طرطوس وبانياس، فالأضرار كبيرة جداً ولم تسلم أبراج التغطية ولا الأبراج الكهربائية ولا حتى الأشجار من العاصفة، وفي حديث لنا مع المواطنين قالوا: هذه العاصفة الأقوى منذ سنوات وخسارتنا كبيرة جداً في ظل ظروف صعبة والبرد شديد والمازوت غير متوفر أبداً، ولم نحصل حتى اليوم على مخصصاتنا إذا نحن كنا هنا في الساحل فماذا عن سكان الجبال والثلج غمر البيوت؟ وتساءلوا عن الحكومة أين هي اليوم؟ ونحن نتساءل بالتأكيد حبة الدوبران لها مفعول قوي جداً أقوى من تأثير العاصفة على المواطن الذي أصبح كرة ثلج.

ولم تكن حال السوريين المهجرين في المخيمات أفضل، فقد ارتفعت نسبة الوفيات من الأطفال بسبب موجة الجليد القاسية وتجمدهم، في غياب أبسط حقوق الإنسان بالعيش، ولم يكن هناك أي تصريح أو حتى كلمة واحدة تعبر عن مآسي السوريين في ظل الحروب المعلنة عليهم.

المواطن السوري الذي أفقدته العاصفة أملاً بيوم أفضل صار اليوم يلملم أجزاءه التي كسرها الجيلد والصقيع وحبة الدوبران لم تعد تنفع شيئاً، فالعاصفة مضت وتركت آلاماً جديدة وخطت بقساوتها جرحاً ووجعاً جديداً في حياة المجتمع السوري البائس، والحكومة آخر همها المواطن وأطفاله، كما فعل وزير التربية الذي أعلن ليل السبت بأن لا امتحانات يوم الأحد في وقت كان الناس نياماً والتيار الكهربائي خارج الخدمة، فخرج معظم الأطفال إلى المدارس صباح الأحد متحملين قساوة العاصفة ومكسرين جليدها ففوجئوا بأن لا امتحانات والمدارس مغلقة.

هذا هو حال حكومة ارتفعت نسبة السيتامول في شرايينها ليأخذ الدوبران الحكومي تأثيره بعيداً عن المجتمع وحالة المواطن.

العدد 1107 - 22/5/2024