من الصحافة العربية العدد 664

رهان أوربي: التسوية السورية عبر الكل.. وإسرائيل

ضمن مطولات الشرح، حضرت إسرائيل. إنها المدعو الجديد، علناً هذه المرة، على طاولة التسوية السورية. بات الحل السياسي ملحاً الآن، ليس للمآسي السورية المتواصلة، بل لوقف إفرازات الحرب المستمرة لمغذيات الإرهاب.

إيران حاضرة أيضاً، هذا ليس جديداً، لكن الدعوة الأوربية باتت صريحة للمّ شمل كل من يمكنه إطفاء نيران الحرب.

كل الإقليم مدعو. دول الجوار، دول الخليج. محرك المحاولة هذه المرة هم الأوربيون، الذين تعهدوا بتكثيف نشاطهم الديبلوماسي إلى أقصى حد. الهدف هو بناء إجماع انطلاقاً من مصلحة مشتركة لجميع الأطراف، عنوانها الأساسي مكافحة الإرهاب ومنع تقسيم سورية.

من قدموا هذه الخلاصات كانوا مجموعة من كبار مسؤولي الخارجية الأوربية. شرحوا الخطوط العامة للاستراتيجية الأوربية التي نشرت مؤخراً، في ثلاثين صفحة، بعنوان (الاستراتيجية الأوربية الإقليمية حول سورية والعراق وتهديد داعش).

جاءت هذه الخطوة كإعادة توجيه لسياسة الاتحاد الأوربي الخارجية، بعدما رفع زعماء دوله تحذيراتهم من مستوى التهديد الإرهابي. الهدف هو إعادة ترتيب الأولويات، والتحول إلى رؤيتها من منظور (مكافحة الإرهاب) بالدرجة الأولى. زعماء الاتحاد الأوربي أكدوا هذا المنحى في بيان قمتهم الأخيرة، مشددين على أن (مكافحة الإرهاب ستوضع في صدارة السياسة الخارجية الأوربية).

وجاء نشر الإستراتيجية بعد أشهر من اجتماعات على كل المستويات، من الخبراء التقنيين إلى أصحاب القرار السياسي. وعجّل الإعلان عنها الاستنفار الأمني في عواصم أوربية، لا سيما بعد هجمات باريس. وأصبحت معالجة الأزمات المفتوحة وحروبها، في سورية والعراق، أولوية أوربية، ليس لجهة فداحة تلك الحروب في حد ذاتها، بل لأثرها المباشر على الأمن الأوربي، حيث إن أعداد (الجهاديين) تتزايد، أما المتعاطفون مع تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) (داعش) وأخواته في أوربا، فيشكلون هاجسَ خطرٍ دائمٍ.

وشرح مسؤولون في الخارجية الأوربية نقاط الاستراتيجية خلال اجتماع مع عدد محدود من وسائل الإعلام، كانت (السفير) بينها. وقالوا إن الاتحاد الأوربي (سيعزز انخراطه الديبلوماسي مع دول المنطقة) لمحاولة إنشاء أرضية تفاهمات تشكل قاعدة لحلول سياسية. وشددوا على أنه من دون تلك الحلول ستبقى أي خطط لمكافحة الإرهاب عاجزة، فمن جهة تشكل المعارك الدموية المتواصلة أكبر مغناطيس ل (الجهاديين)، ومن جهة أخرى تشكل المناطق خارج السيطرة، المتروكة للفوضى، الأوكسجين الذي تعيش عبره المنظمات الإرهابية، وعلى رأسها (داعش) و (جبهة النصرة).

وخلال عرض مسؤول رفيع المستوى في الخارجية الأوربية للدول التي ينبغي تكثيف الانخراط معها، كانت إسرائيل أحد الأمثلة التي طرحها، إلى جانب إيران والسعودية، وبقية القائمة المعروفة. إنها المرة الأولى التي يأتي فيها الأوربيون على ذكر حكومة الاحتلال في سياق الدول التي بات وجودها ضرورياً حول الطاولة. الحاجة لهذه الدول تختلط، وفق شرحه، بين المساعدة في جهود مكافحة الإرهاب وجهود تحقيق تسوية سياسية. بشكل ما، صارت القضيتان تمتزجان امتزاجاً يصعب فصله، حتى على صنّاع القرار الأوربي.

وحين استفسرت (السفير) من المسؤول الأوربي عن الغاية من طرح تكثيف (الحوار) مع إسرائيل الآن، وكيف سيتم ولأي غرض، كان التحفظ سيد الموقف. لا أجوبة. وحتى حين يُذكر على مسمع المسؤولين ما يتردد عن تعاون وتسهيل الجيش الإسرائيلي لعمل بعض المجموعات المسلحة، لا سيما حين يتعلق الأمر ب (جبهة النصرة)، لكونها مصنفة دولياً منظمة إرهابية. وإضافة إلى ما يتردد عن التعاون مع المسلحين، تدخّل طيران الاحتلال مباشرة في الحرب، عبر سلسلة من الغارات على الأراضي السورية.

المنسق الأوربي لمكافحة الإرهاب جيل دو كيرشوف رفض التعليق أيضاً على دور إسرائيل. وخلال حديث مع (السفير) سألناه كيف يمكن للعمل مع إيران وإسرائيل المساعدة على مكافحة الإرهاب، كما رددت الخارجية الأوربية، أجاب إجابة مواربة ان القضية ليست مجال اختصاصه، موضحاً (أنا أتعامل مع مكافحة الإرهاب لا مع السياسة الخارجية)، قبل أن يستدرك أن (أي اختراق سياسي في حالة سورية يحتاج إلى أن يحضر إلى الطاولة كل من لهم تأثير). وتابع محولاً مسار الإجابة: (لا تحتاج إلى دكتوراه في الجغرافيا السياسية لتعرف مثلاً أن روسيا وإيران لاعبان في هذا السياق. الدبلوماسية تعني أن كل أحد يريد المساهمة في حل يجب أن يكون حاضراً).

لكن التحفظات السياسية بدأت تأخذ طريقها لحديث دو كيرشوف منذ أشهر. في الاستراتيجية الأوربية يتردد مراراً أن الهدف هو هزيمة (داعش) و (النصرة) و (مجموعات أخرى). ويرد بتحفظ أيضاً، على سؤال عن أي مجموعات يقصدون بالضبط ما دامت الإستراتيجية هي عن سورية والعراق: (هناك مجموعات تبقى، هناك مجموعات متطرفة عنيفة أخرى، لكن إذا تخلصنا من داعش وجبهة النصرة أعتقد أن العالم سيكون أفضل بكثير).

ومن ضمن التقديرات السياسية التي بات يشدد عليها دو كيرشوف أيضاً هي رفض التعاون مع دمشق. وقال إنه حتى حين النظر إلى القضية من منظور مكافحة الإرهاب فالنتيجة هي أن الرئيس السوري بشار (الأسد هو جزء من المشكلة لا من الحل، لذلك لا نتعامل معه).

هذه الخلاصة توردها أيضاً استراتيجية الأوربيين بأشكال مختلفة. فمن ضمن أدوات التأثير التي تعرضها، لمحاولة إيجاد تسوية سياسية في سورية، تقول إنه يجب (زيادة الضغط على النظام، لا سيما عبر عقوبات أكثر). وتدعو الاستراتيجية إلى (التصلب وتقوية عقوبات الاتحاد الأوربي) على دمشق، وكذلك (الضغط) على الدول الشريكة للأوربيين من أجل تطبيق العقوبات أيضاً.

وبالتزامن مع زيادة الضغوط، تدعو الخارجية الأوربية إلى (الانخراط السياسي والدبلوماسي مع دول المنطقة والشركاء الدوليين لنزع فتيل تصعيد التوترات الإقليمية، وكذلك الحرب بين قوات النظام وقوات المعارضة).

واللافت في الاستراتيجية هو انعطافة الأوربيين حين يدعون لإنشاء مجموعة دولية، شبيهة بالتي سمتها موسكو سابقاً (أصدقاء دي ميستورا) في إشارة إلى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا. وحتى الآن كانت المجموعة التي يدعمها الأوربيون هي (أصدقاء سورية)، التي شُكلت بهدف دعم المعارضة. بكلمات الأوربيين، تدعو الاستراتيجية إلى (التشجيع على إنشاء مجموعة دعم لجهود المبعوث الخاص إلى سورية للتوصل إلى إجماع واسع، يعمل لمصلحة عملية سياسية وطنية وفق هذه الروحية). ويدعو الأوربيون أيضاً إلى بناء إجماع (على مستوى مجلس الأمن وإجماع إقليمي). ولتحقيق هذا يدعون إلى البناء على (المصلحة المشتركة التي تتضمن عزمنا على حماية سيادة أراضي سورية وسلامتها ووحدتها والقتال ضد الإرهاب). لكن مع ذلك، يذكر الأوربيون أن الأساس للانتقال السياسي يبقى (قرارات مجلس الأمن وإعلان جنيف).

لكن موقف الأوربيين من النظام السوري يبدو مرتبكاً أيضاً. فرغم التحفظ الذي أبدوه سابقاً ومراراً على (المصالحات المحلية) التي عقدتها السلطات مع بعض المجموعات المسلحة، فإن الاتحاد الأوربي يدعو الآن إلى دعمها. بكلمات من صاغ الإستراتيجية، التي مرّت بالطبع على ممثلي دول الاتحاد قبل صوغها، يجب (دعم الوساطات المحلية والدولية وجهود الحوار، بما في ذلك المبادرات لإنجاز اتفاقات على المستوى المحلي وغيرها من مبادرات بناء السلام المحلية).

ولتحقيق تلك الأهداف، يدعو الأوربيون إلى تعزيز وجودهم في دمشق، عبر بعثة الاتحاد الأوربي، رغم أنها مغلقة الآن. فكما أوردت أوراق الخارجية الأوربية (يجب تعزيز الطاقم الديبلوماسي لبعثة الاتحاد الأوربي إلى سورية (التي ستبقى مستضافة في لبنان))، على أن (تستمر الزيارات المنتظمة إلى سورية).

ودعم مبادرة دي مستورا ليس الخيار اليتيم الذي تتحدث عنه الاستراتيجية، بل تكشف وجود مبادرات موازية تحاول تقديم (نموذج انتقالي). وما تورده هو أنه يجب (الاستمرار في تقديم الدعم، حيثما كان ملائماً، لمبادرات المسار 2 والمسار ،3 التي يمكنها المساعدة في أن تشكل نموذجاً انتقالياً في نهاية المطاف)، قبل أن توضح أن هذا النموذج (يكون مبنياً على شمول خصوم ذوي مصداقية في حكومة انتقالية جديدة، وعملية استقرار على المستويات المحلية والوطنية).

التريث في التعامل مع القوات الكردية، في سورية والعراق، أمر حاضر أيضاً لجهة الشكوك في محاولات انفصالية. وفي هذا السياق، يبين معدو الإستراتيجية أن (أي دعم للمقاومة الكردية المسلحة لداعش (الأكراد هم الجهة الوحيدة التي يعتبرها الأوربيون مقاومة) يجب أن يتم عبر ضمانات قوية لدول المنطقة حول احترام الاتحاد الأوربي المستمر لوحدة أراضيها).

بالنسبة لدول الجوار، هناك العديد من مشاريع (بناء القدرات) الأمنية التي يدعو الأوربيون إلى دعمها، خصوصاً في لبنان والأردن. وتبين الاستراتيجية أن (الدعم المستقبلي) للجيش اللبناني يجب أن يشمل: تقوية نظامه اللوجستي، وتعزيز قدرات التخطيط وتنفيذ العمليات، وإنشاء دائرة تدريب للجيش ومساعدته على القيام بمهام أمن الحدود وإدارتها. يضاف إلى ذلك، تحسين دور الجيش في مكافحة الإرهاب، مع التركيز على الجوانب التشريعية والاستراتيجية والمؤسساتية.

وسيم إبراهيم

(السفير 21/2/2015)

العدد 1105 - 01/5/2024