منظومة الفساد

لم تعد ظاهرة الفساد تقتصر على هذا الفرد أو ذاك من الناس، بل هي ظاهرة متجذّرة في حياة البشر، منذ أن (بشَّر) بها الفاسدون، ومنذ أن بدأت البرجوازية تدير طاحونة الاستغلال وتطحن الكادحين والفقراء، وتدّعي أن ما يحق لها لا يحق لغيرها من الطبقات والفئات الاجتماعية. وكان فضل القيمة أبشع أشكال الاستغلال لجهود الطبقة العاملة.

لقد نمت ثقافة الفساد على مستوى الأفراد والجماعات والمتنفذين وأصحاب الباع الطويل من البيروقراطيين والطفيليين، الذين توسَّعت علاقاتهم في مختلف الاتجاهات والميادين السياسية والدوائر الاقتصادية.. وأصبحت ظاهرة عالمية حملتها ثقافة العولمة إلى العالم النامي الذي يعاني من سوء الإدارة وشراهة المتسلقين إلى المراكز العليا في السلطة.

وتترسخ ثقافة الفساد في المجتمع في ظل الأزمات، وتشمل مختلف الشرائح الاجتماعية، بدءاً من ما يسمى (الفساد الصغير) وانتهاء بما يطلق عليه (الفساد الكبير).

ونما الفساد الصغير بشكل سريع وتفشَّى بين الناس في سورية، وارتفعت نسبته ارتفاعاً كبيراً، كما تشير البيانات اليومية الفعلية دون الحاجة إلى الكثير من البحث والتقصي. فأصبحت ربطة الخبز بخمسين ليرة أو بأربعين ليرة، وأجرة التكسي لأقرب منطقة 300 ليرة، ويتحكّم سائقو السرافيس بالمواطنين ويبدلون خطوط السير المخصصة لهم كما يرغبون ومتى يشاؤون. وتختلف أسعار المواد من محل إلى آخر بفروق كبيرة.. وتدنَّت نسبة الأخلاق إلى درجة الحضيض وانعدم السلوك الإنساني عند كثر من الناس وأفرغت قلوبهم من الإنسانية.. وأصبحت الإيجارات تحرق أفئدة النازحين والمهجرين غير القادرين على تلبية الحد الأدنى للحياة البسيطة. ويجري بين فترة وأخرى مصادرة اللحوم والبيض والفراريج والمرتديلا والأغذية الفاسدة التي تقدر بالأطنان من قبل الجهات المختصة. وخسر المجتمع السوري الحميمية التي حُسِدَ عليها تاريخياً. وأصبحت الغيرة نادرة لكنها بقيت موجودة عن قلة من الناس.

أما الفساد الكبير فقد ظلَّ يكبر ويكبر حتى تضخّم وغدا جبلاً بقمم عدة. ويمكن أن نقسمه إلى فساد ظاهري (علني)، وفساد خفي (مستور). ويجاهر أصحاب الفساد العلني على الملأ دون مسؤولية أو خوف وحذر، بتحديد مبلغ معين لهذه الوظيفة أو تلك.. وهكذا فقد تشكلت مجموعات فاسدة في ظل أزمة ما زالت تتفاقم. وما أعظم وأضخم الفساد الغائب عن عيون المراقبين والمواطنين بدءاً من غسل الأموال وتهريبها، ولا ينتهي بالسمسرة والرشا. وتنشر الصحف المحلية الكثير من التحقيقات عن الفساد الإداري والمالي الذي يتخذ أشكالاً عدة، والتلاعب في معيشة الموطنين، خاصة من المهجرين والنازحين من مناطقهم بسبب القتال وما يقوم به المسلحون الإرهابيون من قتل وحصار للأهالي. وعلى سبيل المثال كُشف أن نحو 162 جمعية أهلية توزع المساعدات الغذائية على المهجرين سرق المسؤولون فيها عشرات الملايين، رغم المراقبة والمعايير التي وضعتها وزارة الشؤون الاجتماعية لاعتماد عمل الجمعيات الأهلية، بعد إلغاء عمل خمس جمعيات تورطت بالفساد في عملها الإغاثي.

لقد أصبح العمل الإغاثي باباً للفساد، فُتح أمام الطامحين إلى جمع الأموال بطرق غير مشروعة ووسائل مخالفة للتشريعات والقوانين. فهناك إعانات يحصل عليها من لا يستحقها.. وهناك ميسورون يحصلون على الإعانات من مصادر عدة ومن أكثر من جمعية ومركز.

وما أثار انتباهي هو وجود جمعية تحت اسم (جمعية محاربة الفساد في سورية). وجاء  في نظامها الداخلي: (تعمل تحت سقف الأنظمة والقوانين المرعية لنشاط الجمعيات الأهلية على محاربة الفساد بكل أنواعه والتصدي له عبر السبل القانونية، وعلى نشر التوعية القانونية والمجتمعية ضده أينما وجد على أراضي الجمهورية العربية السورية).

وكما تعمل الدولة على محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه وكنسه من الأراضي السورية، وما يقدمه جيشنا الباسل من تضحيات في سبل ذلك، كذلك يجب محاربة الفساد والمفسدين وتجفيف منابعه.. وهذا يعود بالخير على الوطن والمواطنين وينقي أجواء سورية من هذا التلوث، ومن هذه الفيروسات التي تنخر حياة الشعب السوري.

العدد 1105 - 01/5/2024