الذكرى الـ 69 للعدوان على البرلمان

لن تموت ذاكرة الشعب السوري، ولن يقدر المضللون أن يطمسوا التاريخ الوطني التحرري الثوري المقاوم لسورية، مهما تكاثفت غيوم الاستعمار القديم والحديث، ومهما تطورت أساليبه وأسلحته وخرائط التقسيم والتزوير، ومحاولة تشويه الهوية الوطنية لشعبنا ولقواه الوطنية ولشرفاء هذا الوطن،  الذين قاوموا الاستعمار خلال العقود الماضية، والذين أنجزوا الاستقلال وتحرير سورية من رجس العثمانيين والفرنسيين.. ومن مطاردة الإرهاب والظلاميين.

أربعة قرون (عثمانية) خلَّفت الفقر والتخلف. وربع قرن وجنرالات فرنسا، يتلقون الضربات الموجعات من الثوار السوريين.. ومضى نحو سبعة عقود تقريباً على العدوان على البرلمان السوري.. وظلت سورية الشمعة التي تبدد عتمة المنطقة العربية.

إن الشعب السوري الذي يمارس دوره في الانتخابات الرئاسية في الثالث من حزيران، يتذكر دقات الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم 29 أيار عام .1945. ويتذكر الإنذار الذي وجهه الجنرال الفرنسي (روجيه) إلى المجلس النيابي السوري ورئيسه، يهدد فيه بانتقام فرنسا ويطلب إليه، أن تقوم قوات الشرطة والدرك السورية المرابطة حول المجلس بتحية العلم الفرنسي، عند إنزاله في المساء عن دار أركان الحرب الفرنسية المواجهة للمجلس. واتخذ الفرنسيون من الرد بالرفض ذريعة لمهاجمة البرلمان بالأسلحة الفتاكة من (الهاونات والرشاشات والمدافع  والطائرات). وفي تمام الساعة السادسة وخمسين دقيقة، دوَّت أصوات القنابل والرصاص، وتقدَّمت المدرعات الفرنسية بكامل قوتها نحو البرلمان.

 وقاومت الحامية المؤلفة من ثلاثة وثلاثين دركياً وشرطياً، ودافعت عن البرلمان. وقد استشهد منهم ثمانية وعشرون، وبقي اثنان من العناصر هما (شهير الشراباتي وإحسان بهاء الدين) فقد استطاعا الفرار والنجاة من الموت بأعجوبة، إضافة إلى الشرطيين (إبراهيم الشلاح ومحمد مدور) اللذين تظاهرا بالموت بعد أن رميا نفسيهما بين القتلى.. ومن الشهداء الرفيق الشيوعي وكيل الضابط محمد طيب شربك. واستمرت المقاومة لمدة ثلاثة أيام، وعمَّت العاصمة مظاهر الخراب والدمار، وانتشرت الحرائق والقتل. ولا بدَّ لنا في هذه المناسبة من ترديد هذين البيتين للشاعر شفيق جبري:

يا يوم أيار والنيران ملتهبة

على دمشقَ تلظيها جلاميدُ

الطفلُ في المهدِ لم تهدأْ سريرته

مُروَّع من لهيبِ النَّارِ مكدودُ

وأرسل الفرنسيون برقيات تهديد للرئيس (القوتلي) بقصف منزله إذا لم يوقّع المعاهدة. وحاولوا اغتيال رئيس الوزراء سعد الله الجابري الذي كان من المقرر أن يجتمع بالحكومة في البرلمان بحضور الرئيس القوتلي، ولكن ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا وجه برقية إلى الجنرال ديغول جاء فيها: (بالنظر إلى الحالة الخطيرة التي آل إليها الوضع في سورية ولبنان، وبالنظر إلى القتال الدامي الذي يجري مؤخراً في سورية فقد أمرنا، بالأسف الشديد، قائد جيوش الشرق الأوسط بالعمل للحيلولة دون إراقة دماء أخرى).

لقد سجَّل التاريخ الوطني السوري أحداث هذه المرحلة وغيرها، ولا تزال التحليلات والتأويلات تتناولها بإضافات أو تصحيحات ممّن عاصرها أو يبحث في خفاياها. ورغم مرض رئيس الجمهورية شكري القوتلي، فقد استدعى سفراء الدول الكبرى، وأبلغهم بأنه سينزل إلى الشوارع على نقالة ليستشهد مع أبناء شعبه، إذا لم تتحرك دولهم لإيقاف هذه المجزرة المروعة. كما أنه رفض بقوة عرضاً من السلطات البريطانية بأن يذهب تحت حماية دباباتها إلى الأردن، وقال للسفير البريطاني: (سأموت مع شعبي هنا في دمشق). أمَّا الجابري فقد نجا من الموت عندما استهدف الفرنسيون فندق (الشرق) الذي لجأ إليه. وأنقذه السفير الروسي وأخذه من الفندق بعد أن ارتدى ثياب بطريرك موسكو وسائر روسيا، وأوصله الى الحدود اللبنانية. وفي بيروت وجه الجابري نداء إلى العالم يشرح فيه الهجوم الفرنسي الوحشي على دمشق، وطالب بعقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية الناشئة حديثاً.

وأكدت بعض الإحصاءات أن عدد القتلى من المدنيين بلغ 600 شهيد، وعدد الجرحى والمشوهين 500 جريح، والذين أصيبوا بجراح يمكن معالجتها بلغ 1200.

وتمر هذه المناسبة والجيش والشعب السوري في خندق واحد، يطاردون فلول الإرهابيين والتكفيريين، ويفشلون الخطط التي تحاك في الغرف السرية، من قبل ممثلين أمريكيين وأوربيين وخليجيين وغيرهم.. لكن ستبقى سورية صامدة ومقاومة ضد الغزاة والتخريبيين والمتآمرين.

العدد 1105 - 01/5/2024