الدواعش قديماً وحديثاً

إذا عدنا إلى تاريخ البشرية قبل الميلاد وبعده، مروراً بمقتل هيباتيا عالمة الرياضيات الكبيرة و الفيلسوفة الإسكندرانية العظيمة، ومقتل الآلاف ذبحاً وتقطيعاً على يد أعداء العقل وصولاً إلى اليوم… آلاف الجرائم  الداعشية التي ارتكبت وترتكب بالأسلوب نفسه والطريقة ذاتها، والتاريخ الإجرامي يعيد نفسه على يد أعتى قوى ظلامية في تاريخ البشرية، تمارس الذبح والتقطيع وثلم الأعين والصلب وقطع الرقاب وبقر البطون وأكل الأكباد، ما يؤكد أن (الدعشنة) أسلوب إجرام أكثر منه عقائد دينية، فجنكيزخان وتيمورلنك والسلطان سليم وجمال باشا السفاح وأردوغان وبوش كانوا دواعش زمانهم، وزعران أوربا مستعمرو القارة الأمريكية قتلوا أكثر من مئة مليون هندي أحمر، ووضعوا خمسة ملايين رأس تحت أساسات البيت الأسود الأمريكي الذي كان ومازال أكبر وكر للإرهاب والدعشنة.

فالدعشنة تنقسم إلى قسمين: قسم إجرامي جغرافي، وقسم  قيمي اجتماعي. أما القسم الجغرافي الإجرامي فهو الذي اختص بحمل السلاح وتدمير كل ما يجده في طريقه من بنى اقتصادية وآثار وثقافة تاريخية وجسور ومعامل وأضرحة. هم كل من حمل السلاح في وجه الدولة الوطنية سواء في سورية أو العراق، فأعلن عن قيام دولته المزعومة (الدولة الإسلامية في العراق و الشام) فهجّر منها وقتل وذبح وسرق ودمّر كل المكونات التي يراها من قوام الثقافة والحضارة، من كسب وريفها إلى إدلب إلى الرقة ودير الزور، إلى القائم والأنبار ونينوى والموصل، هذه المساحة التي تبلغ أكثر من مساحة سورية كاملة منتقمين من كل المكونات في جميع الأماكن التي وصلوا إليها: انتهكوا الحرمات واغتصبوا النساء وخطفوا الأطفال وقوضوا السلم والأمن فيها، وخاصة بين الإيزيديين والكلد والسريان والآشوريين، تلك الأقوام الموغلة في القدم في بلاد ما بين النهرين وسورية وبقوا محتفظين بعقائدهم وعاداتهم الأصلية. والكلام لا ينتهي عن وحشية هؤلاء الدواعش وإجرامهم ومفرخاتهم من نصرة وألوية إسلامية وكتائب فاروقية وجيوش قد يكون لبعضها تسميات افتراضية، وعن دعم قوى البغي العالمية متمثلة بالإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية والأنظمة الأوربية الداعشية من فرنسا وبريطانيا وغيرها وأنظمة المشيخات الخليجية التي تحقد حقداً أعمى على تاريخ سورية والعراق وأنظمتهما. هذه القوى التي أثبتت الوقائع والنتائج أنها كانت تعمل منذ سنين طويلة لتدمير حضارات امتد تاريخها لعشرات الآلاف من السنين، فخلقت الدواعش ليقوموا بهذا العمل الفاشي ولتدمير هذه الحضارات ومسحها عن وجه الأرض.

أما الدواعش من حيث القيم والفعل الاجتماعي فيمكن أن نصنفهم: دواعش قبل الأزمة، ودواعش بعد الأزمة.. أما الدواعش قبل الأزمة فمنهم بعض المسؤولين ورجال الجمارك وبعض المديرين العاميين لمؤسسات وشركات القطاع العام الذين استغلوا مناصبهم وسرقوا أموال الدولة وهربوها إلى بنوك أوربا وأمريكا، وساهموا في خسارة القطاع العام وإفلاس العديد من الشركات وإغلاقها، وحرروا التجارة الخارجية والداخلية، ووضعوا التشريعات التي تخدم مصالحهم فقط ومصالح كبار التجار والمستوردين والمصدرين والسماسرة وتجار البناء، وساهموا في تراجع الزراعة والصناعة والتعليم وإفقار مئات آلاف الأسر السورية.الدواعش هم من وقفوا حجر عثرة في طريق تطور سورية الاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي العلماني التقدمي، وكل من فتح أبواب الفساد على مصاريعها، لتمر منها كل مؤامرات العرب وخططهم التدميرية.

أما دواعش بعد الأزمة، دواعش اليوم، فأصبحوا في كل مكان، في كل شارع في كل قرية في كل حي وفي آلاف البيوت، هم تجار الأزمات أو الذين أوصلوا الأسعار إلى أضعاف أضعاف ما كانت عليه وضاعفوها إلى حدود لا طاقة للمواطن في تحملها. وتجار الأزمات هؤلاء هم سلسلة تبدأ من التجار الكبار مستوردين أو موزعين إلى أن تصل إلى بائع المازوت والغاز والبنزين في السوق السوداء، هذه التجارة التي انتشرت كانتشار النار في الهشيم. ومن أخطر الدواعش الآن حملة السلاح بشكل فوضوي، ففي المدن والقرى والأحياء تحت مسمى قدسي (الدفاع الوطني) الذي أسس رديفاً لجيشنا البطل الذي سطر ويسطر الملاحم البطولية ضد كل مرتزقة العالم على كامل الجغرافيا السورية، بعض الدواعش الجدد الذين أصبحوا يركبون سيارات الهمر والرانج والكاديلاك وغيرها، والذين لم يكن بمقدورهم قبل الأزمة أن يشتروا باكيت الدخان، والكثير منهم أصبحوا يفتخرون بشراء العقارات وبناء العمارات وجمع الملايين من التعفيش والتهريب والخطف وأخذ الفدية، وللأسف الكثير من هؤلاء الذين امتهنوا الإجرام معروفون لدى أجهزة الأمن والسلطة، والتي تقف عاجزة أمام  تصرفاتهم.

ومن أساليب الدعشنة الحديثة تهريب الغاز والبنزين والمازوت والحطب إلى مناطق المسلحين في مختلف أماكن وجودهم. في الوقت الذي قضى فيه المواطن شتاءه القارس بلا مازوت ولا دفء، وفي الوقت الذي يقف المواطن أمام محطات الوقود لتعبئة (بيدون) مازوت أو بنزين، أو الحصول على جرة غاز كل شهر. نرى أن كل هذه المواد متوفرة بكثرة في الأسواق السوداء.  نحن نعلم أن إنتاجنا النفطي قلّ بنسبة 85% وخطوط الغاز ومحطاته ضُربت وتضرب بين الفينة والأخرى من قبل قوى العدوان الإرهابي ولكن ما لا نفهمه كيف تتوفر هذه المواد في السوق الحرة ولا تتوفر في محطات الوقود؟

ومن مظاهر الدعشنة الحديثة تدمير الغابات بحجة التدفئة، وتكون فئة من تجار الحطب المحترفين الذين أوصلوا سعر طن الحطب إلى أكثر من 50 ألف ل.س، وبحسب المواصفات (سنديان – بلوط-عزر- قطلب).

وأخيراً وليس آخراً على ما يبدو، طلعت حكومتنا الموقرة بقرار رفع سعر المازوت والغاز لمنع تهريبه إلى دول الجوار، وهم يعلمون تماماً أنه يباع فيها بسعر أقل مما عندنا، و(بناء على طلب الجماهير)!

ما هذا الاستخفاف بعقل المواطن السوري الذي صمد صموداً أسطورياً في هذه الأزمة من أجل نصرة الدولة السورية على قوى البغي الداخلية والخارجية؟ هذا الإنسان الذي لم يكن قادراً على شراء لتر مازوت بـ 80 ل.س فكيف بـ 125ل.س، والذي أرهقه  سعر أسطوانة الغاز الذي صار 1700ل.س. هل يستحق المواطن السوري من حكومته كل هذه الإهانات، وهو الذي تحمّل الجوع والبرد والفقر، ودافع وسيبقى يدافع عن ثغور سورية ضد كل المنظمات الإرهابية الداعشية وفي كل زمان ومكان، بينما مكدسو الأموال والفيلة السمان يهربون ويهرّبون أولادهم إلى الخارج هرباً من الخدمة العسكرية مع رساميلهم التي تكدست في البنوك الغربية، وخاصة الذين عاشوا على موائد السلطة عشرات السنين، وخانوا وطنهم وهربوا ليصبحوا من قادة دواعش الخارج والمتحدثين باسم من سمّتهم أمريكا معارضة مسلحة معتدلة؟!

العدد 1105 - 01/5/2024