كي لا ننسى: الرفيق خليل حنا (1926-2003)

صبيحة التاسع من آذار 2003 توقف قلب الرفيق خليل حنا عن الخفقان.. إنه أحد أولئك الثوريين المجهولين الذين نذروا حياتهم أو بعضاً منها لقضية العدالة الاجتماعية وحب الوطن والعمل من أجل إصلاحه وتقدمه دون أن تدوّن أعمالهم أو تسلط عليهم الأضواء، وهم لم يسعوا للحصول على الشهرة أو تصدر الواجهات الاجتماعية، وكان ديدنهم العمل بهدوء ودون ضجيج للوصول إلى تحقيق الأفكار التي آمنوا بها.

ولد خليل حنا في شباط 1926 في بلدة دير عطية من أبوين فلاحين، دخل مدرسة المعارف الابتدائية المؤسسة عام 1921 وحصل على شهادة الدراسة الابتدائية (السرتفيكا) عام ،1938 وفي مدرسة التجهيز الأولى بدمشق نال شهادة (البروفيه) المتوسطة ومن ثم (بكالوريا) التعليم الثانوي في حزيران عام 1946.

بعد أن أمضى الطالب خليل حنا أربع سنوات في الجامعة السورية- كلية العلوم – فرع الرياضيات، حاز في صيف 1951 على إجازة في العلوم، وشهادة أهلية التعليم الثانوي، ودخل ميدان التعليم مدرساً للرياضيات، وأثناء دراسته الجامعية لفت انتباه أساتذته إلى مقدرته العالية في استيعاب الرياضيات واكتشاف أسرارها.

أثناء دراسة الطالب خليل حنا في التجهيز الأولى، شارك في المظاهرات الوطنية وشدّته نشاطات البعثيين، وكان قريباً منهم، ولكنه سرعان ما اتجه نحو الحزب الشيوعي وجذبته الفلسفة المادية القريبة من فكره الرياضي. والواقع أن اتجاه خليل حنا فهو ابن الاشتراكية كان بدافعين: الدافع الطبقي الناجم عن وضعه كابن فلاح، والدافع الوطني،إذ اعتقد أن الحزب الشيوعي سيكون إحدى القوى الضاربة للتحرر الوطني، وامتزج هذان العاملان بمستوى ثقافي رفيع ورغبة في اكتساب المعارف كسلاح للنهوض بالبلاد.. وقد أسهم في دفع الطالب خليل حنا في هذا الاتجاه الأجواء الوطنية السائدة في المدارس الثانوية والجامعة من جهة، ووضع بلدته دير عطية المتميز من جهة ثانية.

وفي هذه الأجواء انضم خليل حنا إلى الحزب الشيوعي، وكان مع النجار خالد القليح من قادة الجيل الثاني لشيوعيي دير عطية.

أثناء دراسته الجامعية وبعد التخرج، نشط خليل حنا في ميدان نشر الفكر السياسي الماركسي الممتزج بالشعور الوطني والقومي العربي الدافق في الأماكن التي عمل فيها. في السويداء حيث عمل مدرساً في ثانويتها. ترك إخلاص خليل حنا في التدريس ونشاطه الوطني أثراً في عدد من طلاب  الجيل في أوائل خمسينيات القرن العشرين، وكانت مواقفه الجريئة أيام النضال ضد ديكتاتورية الشيشكلي حافزاً لتصاعد الكفاح ضد الطغيان بين صفوف الطلاب. وعندما عُين مدرساً في ثانوية الميدان بدمشق، أدرك أن نشر الفكر الاشتراكي في هذا الحي الدمشقي الشعبي يحتاج إلى كسب المؤمنين وإدخال الطمأنينة إلى قلوبهم بأن الاشتراكية ليست معادية للدين كما كان شائعاً.. وقد قام بنشاط ملحوظ في هذا الاتجاه مما لفت أنظار القوى المحافظة، التي سعت إلى إبعاده عن مدرسة الميدان، فعيّن مدرساً في ثانوية الصناعة بدمشق.

كان خليل حنا في عداد الوفد السوري المشارك في مؤتمر السلام في هلسنكي عام ،1956 ومنها قام مع بقية الوفود العربية بزيارة الصين الشعبية، وبعد عودته أقام في دار والده في دير عطية حفل استقبال خطب فيه شارحاً مشاهداته عن تلك الزيارة، وكانت سورية في مرحلة نهوضها الوطني والديمقراطي أيام عهد المجلس النيابي (1954-1958)، منارة في العالم العربي ومثالاً يحتذى  للسير في طريق النهضة العربية ووضع أسس التقدم.

وبعد قيام الجمهورية العربية المتحدة عام 1958 وتنظيم حملة اعتقالات واسعة ضد الشيوعيين في سورية، دخل خليل حنا سجن المزة في ليل 31 كانون الأول من عام ،1958 وهو مرفوع الرأس يدافع عن أفكاره بجرأة أمام جلاديه، ويقوم بتشجيع الخائفين من المعتقلين وحثهم على الثبات في وجه الطغيان، وكان في السجن نموذجاً يحتذى في صلابته وتواضعه وإيمانه بعدالة القضية الوطنية والاجتماعية العادلة، التي يكافح من أجلها.

توفي خليل حنا في 29 آذار 2003.

العدد 1105 - 01/5/2024