تزايد المخاطر على سورية

في المنطقة ثلاثة مشاريع سياسية كبيرة، أولها المشروع الأمريكي الصهيوني المعروف جيداً لكل الوطنيين العرب مخاطره وشراسة هجومه وعقده العزم على إدامة الهيمنة الإمبريالية على العرب، لأنه يتوقف على نهب ثرواتهم وتائر تطور الرأسمالية العالمية.

والمشروع الثاني الذي بدأ يوطد أقدامه في المنطقة منذ ما لايقل عن 60 عاماً، تحسب منذ المحاولة الأولى لاغتيال القائد العربي الكبير جمال عبد الناصر عام 1954 على يد الإخوان المسلمين في مصر وتمدد هذه الفئة بالتدريج وفي جهات مختلفة وتحالفات وأهداف جديدة.. هذا المشروع الذي اصطلح على تسميته (مشروع إقامة دولة الخلافة) الذي استغل الانتكاسات التي أصابت (المشروع الثالث) القومي – الاشتراكي في المنطقة، وبلغ المشروع ذروته بصعود جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر عام 2013 وسقوط حكمهم في العام نفسه.

وفي أرجاء الوطن العربي الأخرى تمكنت الفئات الإسلامية المتطرفة من التأثير على قطاعات واسعة من الناس، ونجحت في عقد حلف مع الأمريكان والأوربيين لإسقاط مشروع بناء الدولة الوطنية المستقلة، الذي يعكس سمات الفئات الاجتماعية المتوسطة بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات. ويسعى هذا المشروع الوطني إلى إنجاز مهمات حركة التحرر الوطني العربية سياسياً واجتماعياً، وبالتالي يقف هذا المشروع موضوعياً ضد الإمبريالية والهيمنة على العالم. وبالرغم من نواقص هذا المشروع، خاصة من الناحية الديمقراطية وفي أسلوب بناء الدولة، فإنه يتعرض لضغوط مكثفة جداً، خاصة أنه يحظى على العموم بدعم الفئات اليسارية حاملة المشروع الاشتراكي.

إن علاقة المشروع  الإمبريالي مع مشروع الدولة الدينية المستبدة هي علاقة تحالف وعداء في آن واحد، وكل منهما يسعى لإضعاف المشروع الوطني لحسابه الخاص، ومصادرة أحلامه وطموحاته إلى التحرر الوطني الناجز، وإلى التقدم الاجتماعي والحضاري.

وتصل علاقة التحالف بين الغرب والتيارات الدينية المتطرفة والاستبدادية إلى درجة أن يسخّر الغرب هذه التيارات للعب دور الشرارة والمحرك لإحراق المنطقة العربية وتفتيتها وتقسيمها وإشاعة الفوضى الهدامة في ربوعها، وبالتالي تعطيل المشروع الوطني التحرري لمصلحة الغرب وإسرائيل بالدرجة الأولى التي تريد أن تشاهد حولها ممالك ودويلات قزمة، متقاتلة فيما بينها، ما يعزز وجود دولة إسرائيل ونجاح المشروع الصهيوني التاريخي.

إن المرحلة التي نعيشها الآن تشهد فورة نشاط للمشروع الديني الاستبدادي (أي المتطرف) أظهر قوته في التعاون مع الغرب الاستعماري، لاستقدام أكثر من100 ألف مرتزق أجنبي إلى سورية لمحاربة المشروع الوطني فيها، وأعلن عن سورية ساحة للجهاد وإقامة ما يدّعون أنه حكم الشريعة.

ولكن ممارسة هؤلاء المرتزقة على الأرض قد كشفت للجمهور الواسع الطابع الحقيقي لهذا المشروع بوصفه مشروعاً معادياً للديمقراطية، وأنه استبدادي ودموي، وتموله وتسلحه دول الغرب وتركيا والسعودية وقطر، وقد بدأ يتحالف مع إسرائيل أيضاً.

لقد وضع الغرب ثقله لإسقاط الدولة الوطنية السورية، وللقضاء على أي شيء إيجابي فيها، لا لتخليصها من الأخطاء، ولكنه فشل طوال الأعوام الثلاثة الماضية في مخططه هذا.. لذلك فقد اندار إلى تنظيم (داعش) للاستعانة به في ضرب سورية، ولكن هذه المرة، على أرض العراق، الذي أعمل فيه هذا التنظيم فتكاً واحتلالاً وإعداماً ونهباً وسلباً، مع الشروع في بناء ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام.

والسؤال الآن: هل يمكن إنشاء مثل هذه الدولة، وضم محافظتين سوريتين إليها (الرقة ودير الزور) وقسم من محافظة الحسكة، واحتلال الموصل والأنبار وكركوك، ومن ثم إرسال رسائل خطيرة إلى الأردن وإلى لبنان، بأن دورهم قد أتى، دون موافقة أمريكا على ذلك؟!

إن الحالة السورية بما تعنيه من استمرار الدعم الخارجي للإرهابيين بمختلف فصائلهم قد انتقلت إلى العراق، ولكن يبقى الهدف الأول هو سورية. إن الدفاع عن سورية، سورية الدولة والوطن، بوجه الإرهاب والإرهابيين، وبوجه المذابح التي ينفذونها كل يوم في بقعة من الأراضي السورية، هو الواجب الوطني بعينه الذي يتصدر كل الواجبات.

العدد 1105 - 01/5/2024