إنسانيتنا ليست بالفطرة وإنما بالتربية

كثرت الأفلام التي تظهر وحشية الجنس البشري من خلال وضع عينة عشوائية من الناس في ظروف تتيح لهم إخراج وحشيتهم الكامنة دون أيِّ عواقب اجتماعية رادعة الذي يُحاكي اختبار سجن ستانفورد الذي تم إجرائه تحت إشراف فريق من الباحثين يقوده فيليب زيمباردو عام 1971 وتدور قصة الفيلم حول 26 رجلاً يتم اختيارهم لممارسة أدوار حراس وسجناء في دراسة نفسية، مقابل مبلغ 14 ألف دولار يتقاضاها كل مشارك بعد أسبوعين. فيما تفحص الدراسة السلوك العدائي في ذلك السجن الاصطناعي.

في البداية يتم تقسيم المشاركين ما بين حراس وسجناء، بعد دراسة لأنماط شخصيات المشاركين كافة وسرعان ما تبدأ دوامة من العنف، حيث يجد الحراس مجالاً لممارسة سلوكياتهم الغير سوية على أكثر من صعيد ومعظمهم شخصيات سادية وسيكوباتية ونرجسية وهي ذات الشخصيات التي تحقق مراكز قيادية عادةً.. يشعر السجانون بداية  أنهم مقيدون بسبب كأمريات مراقبة منتشرة في كل مكان والتي إن رصدت عنفاً ظاهراً فستنهي التجربة وبالتالي سيخسرون المال السهل الذي يمنون أنفسهم به..

لذلك طور أصحاب السلطة في المجتمعات عبر التاريخ ألاعيب نفسية وأساليب الإرهاب النفسي، فبمجرد أنك تعلم أن هناك مُعذَبين على يد السلطات وأنك يمكن أن تتعرض للاعتقال والتعذيب سوف يجعلك ذلك تتردد كثيراً في التعبير والمطالبة بحقوقك.. والوحشية في شتى بقاع الأرض من عنف وإرهاب التي يمارسها أفرادٌ أو دول ليست تعلتها غياب معارف تتيح حلولاً لتلك الظواهر ولكننا ببساطة لانستند إلى معارفنا بل إلى أهوائنا وغرائزنا في الكثير من الأحيان ونُسخّر معارفنا لخدمتها.

وعلى الصعيد الفني جاء أداء الممثلين بسوية عالية فقد وفِّقَ المؤلف (ماريو جيوردانو) والمخرج (بول شويرنيغ) في رسم خط الصراع على صعيد الشخصيات المتباينة و على صعيد العوالم النفسية للشخصية الواحدة.. وتألق الممثلان الحائزين على الأوسكار(أدريان برودي) بدور (ترافيس) و(فورست ويتكر) بدور (مايكل باريس) ذلك الرجل الأربعيني المتدين الذي يتحول إلى طاغية السجن وقد أبدع كثيراً في إبراز تحولات الشخصية ضمن نطاق منهجي للبرمجة اللغوية العصبية.

أما مافي جوف حصان طروادة.. أن العنف يعني خسارة للجميع لأن العنف الظاهر بات غير مقبول في عصر فيه عين الإعلام على كل شيء والتي رمزت لها كأمريات المراقبة. والقوة المفرطة تدمر أي مجتمع فالعنف يولد العنف ويخلق دوامة قد تقود إلى حروب أهلية وصراعات تمزق الأوطان.. فالمساجين فقط يريدون أن يمضوا مُدتهم بسلام وهم يرمزون إلى العوام الذين يريدون أن يمضوا حياتهم بسلام فلكي يُبقي الجميع على استمرارية المُكتسبات والتي هي بالنسبة للأفراد العاديين قد لا تتعدى الأمن الشخصي وبعض الحقوق الأخرى البسيطة..أما بالنسبة لأهل السلطة هي كل مباهج الحياة ولذائذ أخرى سادية ومرضية في العديد من الأحيان..

وقد أشار الفيلم إلى أن من يمارس العنف ضد الآخرين ينتابه شعورٌ بأنهُ أكثر فحولة ورجولة حيث دعمت عدة مشاهد من الفيلم نظريات (فرويد) في هذا الصدد.وقد تكاملت في الفيلم العناصر الفنية وجاء مكثفاً وشيقاً، وعمد المخرج إلى تعدد الزوايا للقطات الكأمريا فكسر الرتابة التي تفرضها عادةٍ البيئة البصرية المحدودة (السجن) أما طرح الفيلم المُستند إلى علم النفس من حيث تركيبة الشخصيات وتحولاتها فقد جاء دقيقاً ومنهجياً وكانت مشاهد الخطف خلفاً (الفلاش باك) في مكانها بحيث لم تؤثر على تدفق أحداث الفيلم بالانقطاع.

أما مشهد الختام البليغ والمتقن فقد كان يتضمن أفراد التجربة سجانين ومساجين ضمن حافلة واحدة وقد عادت إليهم الحرية واستردوا طبيعتهم التي سبقت ذلك التقسيم بين مُتسلط ومحكوم وقد جاءت نظرات الممثل (فورست ويتكر) مُعبرة عن حالة من الارتباك والضياع ولعلها تشبه نظرات أؤلائك الطغاة قُبيل أن يسحلوا في الشوارع التي كانت قبل أيام تغص بمن يهتف لهم بالفداء والمجد الخالد. أما آخر العبارات فقد كانت سؤالاً يوجهه أحد المشاركين في التجربة كسجين إلى بطل الفيلم (ترافيس)..

– أما زلت تعتقد أننا أعلى من القرود في سلسلة التطور؟

– نعم.. لأننا مازلنا قادرين على القيام بشيءٍ ما حيال ذلك.

العدد 1107 - 22/5/2024