ماذا بعد غزة..؟

الذاهبون إلى متنزَّهات الحرب لم ينتهِ مشوارهم بشرب كأس وسكي، والعودة إلى بيوتهم منتشين ومطمئنين. فالسكارى الإسرائيليون وحلفاؤهم أمراء النفط، وداعموهم سادة البيت الأبيض ومن يشد على أيديهم، هم من يحتضن عشرات ألوف الإرهابيين من تنظيمات (القاعدة) و(داعش) و(الإخوان المسلمين).

تحالف عالمي عدواني على غزة وسورية والعراق.. وصواريخ الإمبرياليين وأسلحتهم وأموال زعماء الدولة الثيوقراطية وجُزر النفط والغاز الخليجية، جميعها تُسخَّر لتفتيت المنطقة وتقسيمها إلى دويلات ودكاكين وتحويلها إلى أسواق للرأسمالية المتوحشة.

عدوان عالمي مُحضَّر له مسبقاً وخرائطه جاهزة للتنفيذ.. وتحالف إمبريالي – صهيوني – رجعي، ينفّذ حرباً كونية. وبعد سورية والعراق اشتعلت النيران في غزة منذ أيام، والتهمت الصواريخ الإسرائيلية والغارات الجوية بيوت الفلسطينيين وأوقعت مئات الشهداء والجرحى.. ويتكرر التهديد باجتياح غزة وتحويلها إلى ركام ودفن مليوني فلسطيني تحته.. والأنظمة العربية تتفرّج على ما يجري من مهزلة تاريخية وهولوكست جديد ومجازر جديدة.

غزة المحاصرة من الجهات الأربع تحترق بنيران القذائف الإسرائيلية.. وفصائل المقاومة الفلسطينية تردّ بقوة وتوجه صواريخها إلى أهداف العدو القريبة والبعيدة…لقد وصفت الهبة الجديدة للشعب الفلسطينية بانتفاضة لن تتوقف عند هذه الحدود، لكنها تترافق مع صمت الحكام العرب المريب.

بلغ عدد الهجمات حتى العاشر من تموز على قطاع غزة 747 غارة جوية و144 قذيفة بحرية و142 قذيفة مدفعية. وتمَّ تدمير 312 منزلاً، 53 منها دمّرت بشكل كامل. وشردت مئات العائلات، وبلغ عدد الشهداء نحو مئة وخمسة وثلاثين شهيداً، وأكثر من 1000 جريح حتى اليوم السادس. ومجلس الأمن (الذي تحترمه إسرائيل كثيراً وتنفذ جميع قراراته خلال ستة عقود ونصف من عمرها) يذكّر أمينه العام، البارد الدم، باتفاقية التهدئة لعام 2012 وكأن المسألة بهذه البساطة. وكالعادة فإن سادة واشنطن وسياسييها، يرددون عبارة واحدة منذ عقود ويحددون موقفهم في أي حادث عالمي صغيراً أو كبيراً، هاماً أو غير هام: (ضبط النفس والتهدئة). وهم من  يحرضون ويؤيدون ويدعمون إسرائيل، ويدافعون عن أمنها وبقائها في قلب العالم العربي قذيفة قابلة للانفجار في أي وقت! ويرى هؤلاء المشحونون بالكراهية للشعوب العربية والحقد الدفين القابل لإثارة الفتنة، أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها إزاء صواريخ قطاع غزة. وكأنَّ الشعب الفلسطيني المحاصر الجائع المقاوم لتحرير فلسطين من عدو غاشم، هو المعتدي وليس المعتدى عليه. وكانت الولايات المتحدة حين تتعقد المسألة وتلتهب المواقف بين العدو والفلسطينيين، تلجأ إلى مصر (مبارك)، لكنها اليوم خسرت الوساطة المصرية ولم يعد بالإمكان استخدامها، بسبب الظروف الجديدة والوقائع التي حصلت في مصر أثناء التحالفات الإخوانية المصرية – التركية – العربية الذي أدى إلى حالة جفاء بين الحكومة المصرية وحركة حماس الإخوانية.

وليس غريباً أبداً ولا عجيباً، أن رئيس الاستخبارات السعودي السابق الأمير تركي بن فيصل، يخرج أمام مؤتمر (إسرائيل للسلام) ويعلن من على منبره في كلمة يدعو فيها (إلى السلام والخير والمحبة بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي). والملك محمد السادس (حامي القدس والمقدسات وإمام المسلمين في بلاد المغرب والمشرق العربيين)، يقدّم منْحة بقيمة خمسة ملايين دولار لفلسطينيي غزة.

لقد تحرَّك الشارع الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، ردّاً على العدو الصهيوني، ومن الطبيعي أن تستمر المقاومة. ويبدو أن في الأفق انتفاضة تعمّ المناطق الفلسطينية المحتلة لردع العدو وإعادة الحق إلى أصحابه، تلاقي الدعم والمساندة من بعض الدول العربية التي لن تغمض عيونها وتطمر رؤوسها في الرمال العربية، ولن تتغاضى عما يجري من تفتيت وتجزئة وتقسيم للعالم العربي.. وهذا يتطلَّب من القوى الوطنية والتقدمية واليسارية العربية، أن تستعيد المبادرة وتشد أحزمة التحرر من جديد، وأن تستعيد دورها التاريخي، فهي الداعم الرئيس للشعب الفلسطيني المقاوم من أجل بناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.. واستعادة الجولان وجميع الأراضي العربية المحتلة.

العدد 1107 - 22/5/2024