ندم.. بدايةٌ لحكاية واقعنا الدرامي المكتئب

 يعبق الياسمين في شوارعها العتيقة مقبّلاً ثغرهاً بندى كل فجر رغم كل الأوبئة التي انتشرت خلال سنوات الحرب الخمس الماضية، وتزايد عدد الشحادين الذين غزوا مفاصل يومياتها المثقلة بهموم شعب تخنقه كآبة القرارات التي نسفت معيشته ووضعتها (في خبر كان..)، والتي لم تلمس جزءاً صغيراً منها أقلام من كتبوا وأخرجوا دراما هذا العام ليصور الندم حالاتنا الإنسانية بسطر وجع نخبئه داخل أرواحنا العاشقة لحكاية نبدأها بعد الحرب.

الإنتاج الدرامي لهذا العام هل حمل معه جديداً؟ هل اقترب من واقع المجتمع السوري المتخبط بين الحرب المسلحة وقرارات الحكومة القاتلة؟ صحيفة (النور) تقف متسائلة في تحقيقها عبر مجموعة من الآراء حول دراما 2016 التي تنوعت بين المعاصر والكوميدي والبيئة الشامية والتي لاقت انتقادات كبيرة منذ بداية عرضها في الموسم الرمضاني، إذ وصلت نسبة متابعة بعض الأعمال في الحلقات الأولى إلى أرقام كبيرة من المشاهدين، ثم تراجعت وحل مكانها أعمال أخرى، وتصدّر (الندم) الرقم الأول في المتابعة بعد أن كانت نسبة مشاهدته في البداية عادية وفق استبيانات (السوشيال ميديا) والمواقع المختصة.

بين المعالجة  الدرامية والإخراج

تناولت دراما هذا الموسم مواضيع مختلفة، فمنها ما تناول واقع الحرب السورية والظروف التي تمر بها البلاد والتي لم تقترب من صورة الواقع المعاش إلا بشكل بسيط، لنرى هذا العام دراما بوليسية تناولت المخدرات وتجارتها بشكل سلبي غير مدروس، كمسلسل دومينو ومذنبون أبرياء، فلم نرَ المعالجة الصحيحة والمدروسة للتعاطي مع هذه المواضيع التي تعمل على نشر ثقافة تهديمية مسيئة للمجتمع، وكذلك معظم الأعمال هذا العام غابت عنها المعالجة الدرامية، فرأينا دراما من دون هوية كمسلسل الطواريد غير المفهوم وماهو غرضه سوى أنه عرض للأزياء في البادية السورية، ورأينا كذلك أعمالاً عربية أخذت أحداثها عن أفلام أجنبية كمسلسل نص يوم المأخوذ عن فيلم الخطيئة الكبرى، فلم نر من خلال نصوص هذا العام قضايا معالجة، لم نر سوى صورة نقية وجميلة لكاميرات المخرجين المتأثرين بالأعمال التركية والغربية كصورة مسلسل العراب المتأثرة بصورة السينما الإيطالية، وجريمة شغف الذي لم نر فيه فكرة سوى صور لمجموعة استعراضيين في فيديو كليب تجاري، والسؤال الذي يفرض نفسه: هل درامانا ضاعت بسبب ضعف النصوص أم بفضل وجهات نظر المخرجين الجديدة؟

سمرقند تائه في حارة الضبع

لم تكن الأعمال التاريخية هذا العام حاضرة كالسنوات الماضية واقتصرت على عمل واحد صنف تاريخياً وهو سمرقند، الذي تناول شخصية حسن الصباح (أداها عابد فهد) معيداً شخصية الظاهر ببيرس مرة أخرى، إضافة إلى أن العمل مليء بالمغالطات التاريخية الفادحة التي أخرجته عن إطاره التاريخي. ولم يقف العرض هنا فرأينا أجواء المسلسل تركية بامتياز، وكأننا نرى حريم السلطان والسلطانة هويام، فخرج بذلك النص عن إطار التاريخي حسب وصف النقاد معتبرينه فانتازيا تاريخية لا أكثر كفنتازيا المسلسلات الشامية على قائمتها باب الحارة بجزئه الثامن، الذي لم يقدم جديداً سوى طق الحنك لنسوان حارة الضبع والهرج والمرج، ونافسه مسلسل خاتون بوجوه ممثلين مشهورين عملوا على تسويق النص.

إبداعات فردية ووجوه جديدة

تميزت دراما هذا الموسم بإبداعات فنانين سوريين أصبحوا حديث الشارع من جديد بعد غيابهم لسنوات، كالنجم السوري سلوم حداد الذي أبدع هذا العام وبحرفية عالية جداً بشخصية أبو عبدو الغول في مسلسل الندم التي باتت حديث الشارع السوري والعربي، وكذلك الفنانة شكران مرتجى التي أضافت إبداعاً جديداً إلى مسيرتها الفنية بشخصية أم معروف في مسلسل زوال، ليكون هناك نصيب أيضاً لإبداع فنانين شباب كمحمود نصر في الندم، وجفرا يونس ودانا مارديني ومهيار خضور، كما شهد العام عودة قوية للنجم العالمي غسان مسعود بمسلسل (نبتدي منين الحكاية) مشاركاً بطولته مع الفنانة سلافة معمار، لتتميز دراما هذا العام بتميزات وإبداعات فردية خارجة عن إطار ضياع النص والمعالجة الدرامية.

خلل رقابي أم منتج تجاري

بين كثرة النقد لدراما هذا العام وضعف ما قدمته جودةً إنتاجية نتساءل: هل اللجان الرقابية مؤهلة بالشكل الصحيح؟ وهل قيمت النصوص قبل الإنتاج أم شركات الإنتاج المنساقة حول ما تتطلبه القنوات العارضة باتت هي صاحبة السطوة والقرار وتحقق رغباتها ببعض الدولارات، لتكون الدراما سورية مجرد سلعة رخيصة تهدم المجتمع بغياب المعالجة للفكرة المطروحة بشكل يحمل الأخلاق والقيم المجتمعية؟ أسئلة تفرض نفسها، كما طرح حسن سامي يوسف واقعنا بمسلسله الندم من خلال صور جريئة أدمعت أعين من تابعوها وأيقظت وجعنا محتارين من أين نبدأ حكايتنا.

العدد 1105 - 01/5/2024