السعادة الممنوعة

إني ليقشعر بدني من رجلٍ ليست له امرأة

«عمر بن الخطاب»

 ما قاله الخليفة الراشدي الثاني عن رجل بلا امرأة يمكن عكسه تماماً، أن يقشعر بدن المرء من امرأة ليس لها رجل، لكن الحياء الاجتماعي والحشمة المصطنعة تقتضي من الحكيم أن يداور في قول الحقيقة كاملة ويكتفي بالتلميح أحياناً، تجنباً لما يمكن أن يحمل شبهة الحديث عن المرأة كانسان لها كالرجل حاجات ومُتطلبات جسدية وروحية لا تتحقق إلاّ بوجود الآخر- الرجل، وهي من الخطوط الحمر غير المُعلنة في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد والتعاليم الدينية التي انصهرت مع تلك العادات وتوحدت معها عبر آلاف السنين.

حين يُصبح ما يقوله المثل المصري (ظل راجل ولا ظل حيطة) ناقصاً، فينحسر ظلّ الرجل بلا رجعة، أما ظلّ الحائط فتتحكم به قوانين الإرث الظالمة كما قوانين القوامة والعصمة وملك اليمين… الخ، تُصبح تلك التي كانت إلى زمن قريب تزهو بلقب(سيدة، مدام، ليدي….) مُطلّقةً أو أرملة مع نظرة شفقة أحياناً وريبة ممزوجة باشتهاء غالباً.

هنا على المرأة التي بقيت بلا رجل أن تدرّب نفسها على الصبر، الصبر على العيون التي تتناهشها كفريسة سهلة، أو كضحية تستحق الشفقة، والصبر على مسؤوليات تفوق قدرتها في تأمين قوت الأطفال ومستلزمات حياتهم، خصوصاً إن لم تكن منتجة (وهذه وجد لها المجتمع البطريركي حلاً بتزويجها من شقيق الزوج في حال وفاته).

والويل لها إن تركت لنسيمة حب أن تُلامس قلبها الذي يفترض العرف المجتمعي ووعي العشيرة أنه تيبّس كشجرة لم تعد تعرف المطر بعد رحيل الرجل الأول في حياتها، والويل الأكبر إن فكّرت بالاقتران ممن اقتنعت به رجلاً يملأ عليها البيت والحياة وتبادله الأمان والارتواء العاطفي والجسدي.

تُصبح في عرف القبيلة امرأة بلا وفاء، لم تبقَ مع أطفالها لتتفرّغ لتربيتهم وتنسى روحها وأنوثتها؟! أمّا الرجل فما إن تُغادره الزوجة طلاقاً أو وفاة حتى تنهال عليه الطلبات والاقتراحات للزواج مثنى وثلاث ورباع، ومن صبايا صغيرات غالباً، إذ إنه لا تليق به سوى صبية من عمر بناته!!

لا يطرح السؤال عما عانته تلك المرأة مع الزوج الأول من تعاسة وسوء معاملة حتى وصل بها الأمر إلى(أبغض الحلال)، أي أنها قضت سنوات سوداء مع هذا الرجل، فيُحكم عليها بالزيادة، أي الاستمرار في التعاسة بحرمانها من دفء الفراش وحنان يد تُمسّد على تعبها بعد نهار مُضنٍ في العمل أو المنزل أو كليهما. وهذه إحدى تجليات النظرة الذكورية العمياء التي صاغت الأديان والأيديولوجيات والعادات والتقاليد بما يتناسب مع جنوحها للسلطة والمتعة على حساب نصفه الآخر المُغيّب.

الحل ليس هنا في هذه المساحة الضيّقة من القول، لكنه يكمن بدايةً في السعي نحو جعل قوانين الزواج والطلاق والإرث أكثر شفافية وعدلاً بحق المرأة وتحريرها من أسر الأديان والعادات، لأننا كما يُفترض في بلد علماني، ثم الانطلاق من ذلك نحو المناهج ورجال الثقافة والدين المتنورين لتشكيل وعي جديد بالإنسانة التي يقشعّر بدن عمر من غيابها عنا.

العدد 1105 - 01/5/2024