«أنا وأنتِ وأمي وأبي» الرصاص الحاقد قتل حبّنا.. لكن لم يقتل وطن الحب!

سنوات الحرب وطعم الحياة الممزوج بالمرّ المختبئ في تقاسيم أرواح العاشقين للوطن رغم اختلاف إيقاعات السمفونية الإلهية الملونة كألوان الطيف المتمازجة والمتلاحمة ببعضها بكل محبة، هكذا نحن في وطن يعجّ بالقضايا وبنفوس تضجّ بالتناقضات رغم كل اختلافاتها، نعيش الوطن بكل محبة دافعين ثمن الحب رصاصة حاقدة تقطع أوصالنا، لكنها لا تستطيع قتل الوطن وعاشقيه، رسالة جميلة لوطن يعيش الحرب بتناقضات كبيرة عبّر عنها المخرج السينمائي عبد اللطيف عبد الحميد في فيلمه (أنا وأنت وأمي وأبي) الذي يعرض في صالات السينما السورية.

دمشق بيومياتها المختلفة صورة واقع يضج بالأحداث، بين دخان تفجير إرهابي متصاعد من أحد الأحياء، وزهر الياسمين الشامي العابق بالمحبة لطيور الحمام التي تعيش يومياتها محلّقة بسماء دمشق مرتّلة أنشودة الحياة، ينتقل الفيلم بمشاهده إلى تناقضات تعيشها عائلة تمثل مجتمعاً يعيش بين فكرين متناقضين: فكر الأب خالد الدكتور الجامعي الذي يمثل الفكر المعارض المتشدد والمنحاز للثورة المزعومة، التي تقوم على القتل والتخريب، وهو يعيش صراعاً يقضّ مضجعه بين حركة يعتبرها تقدمية وحبه لولده وزوجته، ولكن الغشاوة أعمت بصيرته عن رؤية واقع مرير مما آلت إليه، فأودت بحياة الكثيرين ودمرت بنياناً عمره الحب، وفكر الأم التي جسدتها سوزان نجم الدين المربية التربوية، وهو يمثل فكر الوطن والمحبة، والمتقبلة لزوجها رغم فكره محاولة أن تُفهمه بأنها تحبه رغم كل شيء، ولكنه يرفضها رغم حبه، ففكره المخالف لا يقبل سوى بنفسه حتى يرفض كل من يناقضه فكراً، هادماً أسرته ليكون ولده طرفة الذي جسد دوره يامن الحجلي ضحية فكره وانحيازه لما سمي بالثورة…

يصوّر لنا الفيلم قصة حب جميلة تنشأ بين طرفة وعفاف التي جسدت دورها مرام علي، المتمسكة بحبها للشاب المتطوع بخدمة الوطن، والتي غنت له (يا فجر لمّا تطلّ.. ملوّن بلون الفلّ) ولم تكن تعلم أن رصاصة غادرة حاقدة لونت فجر حبها بالدم، كما صور لنا الفيلم بمشهد سجّل به أبو خالد الذي لعب دوره حسام تحسين بك البيت الدمشقي الذي يملكه لكنّته، لأنها هي من ستحافظ عليه بحبها لوطنها.

كما نقل لنا الفيلم صور التخريب والتهديم للمدن و ضحايا الحرب مبكياً أرواح مشاهديه، لقول الممثل بشار إسماعيل لصهره خالد في أحد المشاهد: (اللي بيهدم أسرة.. بيهدم وطن)! وهذا ما يجول في فكر كل سوري يحب وطنه لينهي عبد اللطيف عبد الحميد فيلمه بوعاء من الفاكهة تحمله الأم بيدها، تسقط منه تفاحة وهي ولدها الذي قتله رصاص الحاقدين هو وحبيبته عفاف، والذي رمز به الكاتب بأن الفاكهة هي رمز للحياة والعطاء والوعاء الذي جمعها هو الوطن، والوطن مستمر بعطاء من أحبوه وعشقوه وغنوا له: يا فجر لما تطل ملون بلون الياسمين والفل العابق في كل حواري سورية بالمحبة، مع موسيقا رائعة جعلتنا نعيش لساعتين مع سوريتنا بكل تناقضاتها.

العدد 1105 - 01/5/2024