كي لا ننسى: نبيه خوري.. مناضل لا يطويه النسيان (1937 -2012)

ولد عام 1937 ونشأ في كنف أسرة وطنية وشعبية في مدينة دير عطية مؤلفة من الأبوين ومن خمسة أبناء وابنتين.. أسرة قدمت الكثير للوطن والشعب والحزب بتواضع ودون ادعاء.. أسرة التصقت عميقاً بالناس وانبثقت منهم. تعرّف وشقيقه الأكبر الصديق العزيز ناصيف على أفكار الشيوعية منذ نعومة أظفارهما، وكان والدهما المرحوم رفيق الخوري على صداقة وثيقة مع الشيوعيين القديمين عبيد البطل وفيليب عجلوني، ومن خلال هذه الصداقة تعرفت العائلة على أفكار الشيوعية، وانخرط نبيه مع شقيقه ناصيف في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي في صفوف الحزب الشيوعي السوري ولما يشتد عودهما.. وقد ساهما آنذاك مع غيرهما في النضال ضد الأنظمة المستبدة، وفي توزيع المناشير التي تفضح الدكتاتوريات، وقد اعتقل نبيه ولما يكن قد بلغ الرابعة عشرة أثناء حكم حسني الزعيم الدكتاتوري. ساهم نبيه في أعوام الخمسينيات في الحركة الطلابية بنشاط، وفي عام 1959 اعتقل بسبب موقف الحزب الذي رفض أن يحلّ نفسه، وكان يطالب بتعزيز أسس الوحدة على أساس ديمقراطي، من منطلق ضرورة عدم فشل هذه التجربة لما سيكون لذلك من أثر سلبي على النضال التحرري للبلدان العربية.

تعرفت إليه آنذاك في سجن المزة، وكانت الدماء تغمره، نتيجة التعذيب الشديد الذي تعرض له في مكتب المباحث الخاص، بيد أنه لم يكن يظهر ألمه المضني، ولم تكن تفارق وجهه تلك الابتسامة اللطيفة والطيبة التي تتسلل إلى القلوب مباشرة، لتأسرك وتهزك من الأعماق، عاش سنوات السجن بشموخ وتواضع في الوقت نفسه، لم ينحن ولم يفقد ثقته أبداً، وكان يبث روح الأمل بين المعتقلين. خرج من السجن مع بقية الرفاق الآخرين بعد ثلاثة أشهر على قيام الانفصال.. وانخرط مباشرة في النضال بتفان ونكران ذات وإخلاص دون الالتفات لمصالحه الشخصية من أجل الحفاظ على مكتسبات الشعب التي كانت معرضة للتصفية.

التقيت معه فيما بعد في لبنان في منتصف عام 1962 كان يعيش آنذاك حياة البعد عن الوطن والحنين له، أرسله الحزب لمتابعة دراسته في الاتحاد السوفييتي، ولعب هناك دوراً مرموقاً في الحركة الطلابية خارج الوطن، وكان أحد وجوهها المؤثرة. أحبه الطلاب الذين أعطاهم الكثير من وقته ليوفر لهم الظروف المؤاتية لدراستهم. لقد عمل خلال وجوده في الخارج على تعزيز الروح الوطنية لدى أصدقائه وزملائه، ولدى الطلاب السوريين مؤدياً واجبه في هذه المجال بامتياز.

تخرج مهندساً زراعياً، وعاد إلى الوطن ليساهم في وضع خبراته الزراعية بخدمة بلاده. ويتذكره الكثيرون من الذين عملوا معه في الرقة، ويتحدثون عنه باحترام وحب، مقدماً بذلك نموذجاً للشخصية الشيوعية المتفانية بخدمة المصالح الوطنية العليا والشعب.. وأقيم له هناك حفل تكريم وداعي بمناسبة إحالته على المعاش.

ابتعد نبيه تنظيمياً عن الحزب بسبب الخلافات التي نشبت في صفوفه، والتي كان فيها الكثير من اللاموضوعية والكثير من الذاتية، إلا أنه بقي مخلصاً لتراث الحزب النضالي والوطني، وداعماً لأية بادرة توحيدية تعيد الألق لهذا الحزب، الذي قدم الكثير من التضحيات على مذبح سعادة الشعب السوري وحريته ومستقبله.. بقي مخلصاً لإنسانيته وتواضعه وحبه للناس حتى النهاية.

في 20 حزيران عام 2012 غادر نبيه الحياة، تاركاً لنا إرثاً نضالياً دخل في سفر نضال الحزب الحافل بالتضحيات والبطولات والآمال.. غادر الحياة دون خوف، وهو مليء بالثقة أن شجرة الحياة العظيمة وإن كان يعتريها اليأس أحياناً، فإنها ستبقى ولادة باستمرار للبراعم التي تعبر باستمرار عن التجدد والنمو الدائمين أبداً.

لن ننساك أيها الراحل العزيز، ولن ننسى نبلك وطيبتك وإنسانيتك، التي ما أحوجنا إليها الآن.. إننا نفتقدك كثيراً.

العدد 1105 - 01/5/2024