اليمن إلى أين؟ أم أن نظام آل سعود وجغرافية المملكة إلى أين؟

ثمة حقائق ثابتة وبراهين دامغة حول خلفيات العدوان السعودي على اليمن، ينبغي أن نستمر في تسليط الضوء عليها علَّ من لم يفهم وتتضح له الصورة حتى الآن، أن يفهم، اللهم إذا أراد أن يفهم، أن ذلك العدوان الوحشي الغاشم على اليمن ليس وليد المرحلة الراهنة بقدر ماهو ترجمة عملية لسيناريو أمريكي صهيوني قديم جديد وخطة مبيتة منذ حين، الهدف منهما تقطيع أوصال أرض الحجاز ونجد وجنوبهما، يشارك في تنفيذهما آل سعود بمنتهى الغباء والعمى السياسي والحقد والتورط والانزلاق في الهاوية اليمنية التي سبق أن جعلت من أرض اليمن الذي كان سعيداً في غابر الأزمان مقبرة للغزاة العثمانيين (مقبرة الأناضول) ومن ثم مقبرة للمستعمرين الإنكليز.

ومختبئاً وراء إصبعه وتحت ذرائع تثير منتهى السخرية والاستهزاء، أبرزها ادعاء نظام آل سعود المتخلف الدفاع عن الشرعية اليمنية، يمضي هذا النظام بقواته الجوية ومدفعيته الميدانية في تدمير اليمن كل اليمن بشراً وحجراً وبنية تحتية ومواقع عسكرية وموانئ جوية وبحرية وثروات طبيعية ومؤسسات اقتصادية وثقافية واجتماعية، ومطارات مدنية ومدارس وجامعات ومستشفيات وآلاف الشهداء من المدنيين أطفال ونساءً وشيوخ، فيما تزداد قوة الشعب اليمني في التصدي للعدوان السعودي، تلك القوة المنبثقة عن اللحمة المتراصة بين الجيش اليمني والتحالف الوطني اليمني الذي ينضوي تحت رايته الوطنية تسعة عشر حزباً يمنياً، مستذكرين في تصديهم الحالي لعدوان نظام آل سعود، التصدي الشعبي اليمني للمستعمرين العثمانيين والإنكليز عبر أكثر من قرن.

ذلك العمى السياسي وانعدام الرؤية السياسية لدى أركان نظام آل سعود جعل هؤلاء يذهبون نحو تقسيم البلاد التي يتحكم هذا النظام المتخلف بمقدراتها، ويوظف هذه المقدرات لمصالح العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية، ويعرض الأمن العربي والإقليمي لأفدح الأخطار ولعواقب وتبعات وخيمة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجغرافية. خاصة وأن نظام آل سعود يعمل من خلال عدوانه على اليمن على تعزيز وجود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وفي الساحة اليمنية خاصةً، ولاسيما في محافظتي حضرموت ومأرب، من خلال استقدام عشرات الآلاف من المقاتلين المرتزقة من عدة من الدول عربية وأجنبية وخاصة الباكستان وأفغانستان.

لقد بات تمادي آل سعود في عدوانهم على الشعب اليمني وتوسيع نطاق هذا العدوان، ينذر بحرب إقليمية واسعة النطاق، خاصة أن الجيش اليمني وقوى التحالف الوطني اليمني التي تجاوزت الحدود اليمنية الشمالية وصولاً إلى بعض المناطق السعودية التي هي أصلاً أراضِ يمنية محتلة من نظام آل سعود، مايطرح احتمالات ممكنة لانتشار حريق يعم المنطقة سيحرق أول من يحرق أولئك الذين يواصلون صب الزيت على النار وبشكل خاص نظام آل سعود ومن يدور في فلكه من بلدان الخليج.

وواضح جداً من خلال مجرى العمليات العسكرية ضد الشعب اليمني أن صاحب قرار شن العدوان على اليمن لم يضع في الحسبان مايمكن أن يسفر عن هذا العدوان الوحشي من تبعات وتداعيات، مايؤكد انزلاق نظام آل سعود حتى أذنيه في أوحال اليمن المتحركة التي ستأتي على هذا النظام برمته، مالم تسارع الولايات المتحدة الأمريكية إلى لملمة الأمر، ليس كرما لعيون آل سعود، بل لخشيتها من أن يأتي الحريق في المنطقة على المصالح الأمريكية عامة، وخاصة على مصالح العدو الإسرائيلي الذي أقام مع نظام آل سعود علاقات وطيدة منذ الستينات من القرن الماضي، تقوم على إجهاض أية حركة تحرر في المنطقة، والجميع يعرف فصول التعاون السعودي الإسرائيلي القديم الجديد في محاربة اليسار في جمهورية اليمن الديمقراطية والسودان، ومحاربة جميع حركات التحرر العربية والإفريقية.

ويبدو من المفيد التذكير ببعض حالات التدخل السعودي في اليمن والعدوان عليه:

عندما كانت مناطق (جيزان ونجران وعسير) اليمنية أصلاً تحت حكم إمارة الأدارسة المتحالفة مع الإمام يحيى، نشبت في عام 1933 حرب بين آل سعود والأدارسة الذين استنجدوا حينها بالإمام يحيى الذي أنجدهم وحارب آل سعود حتى وصل إلى الطائف.

حينها تحالف آل سعود مع الاحتلال الإنكليزي في جنوب اليمن ومع سلاطين الجنوب، وشكلوا ضغطاً على الإمام يحيى بعدما حوصروا في الجنوب حيث الإنكليز والسلاطين ومن جبهة الشمال حيث السعوديين الذين حاصروا ميناء الحديدة المنفذ البحري الوحيد لليمن آنذك، ماجعل الإمام يدرك الخطر المحدق باليمن ويقرر إقامة حوار مع آل سعود، أفضى إلى عقد اتفاقية في العام 1934 سميت اتفاقية (الطائف)، وكان أهم بنودها (تأجير أراضي جيزان، ونجران،وعسير) للسعودية لمدة عشرين عاماً قابلة للتجديد خلال ستة أشهر قبل انتهاء العقد.

وفي عام 1954 لم يتم التجديد، إذ نشبت الصراعات والحركات الثورية ضد حكم الإمام ابتداء بثورة 1948 التي أسفرت عن مقتل الإمام يحيى.. مروراً بثورة 1955 وصولاً لثورة 1962 حيث نشب صراع بين ثورة1962وآل سعود الذين دعموا أنصار الإمام بالمال والسلاح.

وعلى مدى سبع سنوات عملت السعودية على التوسع في الربع الخالي، وهي منطقة غير مرسّمة ولم تلحظها اتفاقية الطائف، ما حال دون التجديد الأول لهذه الاتفاقية.

وفي عام 1969 شنت السعودية الحرب على جمهورية اليمن الديمقراطية بهدف امتلاك منفذ على البحر العربي جنوب اليمن، وهي حرب أسفرت عن سيطرة السعودية على منطقة الوديعة الواقعة على حدود البلدين في الربع الخالي أواخر عام ،1969 وبسبب هذه الحرب لم يجدد اتفاق الطائف مرة أخرى.

وفي عام 1994 نشبت حرب الانفصال بين شمال اليمن وجنوبه، دعمت السعودية خلالها الانفصاليين بالمال والسلاح في محاولة لإجهاض أية عملية وحدوية بين شطري اليمن، تحسباً من تنامي القوة اليمنية، وخوفاً على المناطق الحدودية العائدة لليمن والمحتلة من قبل السعودية.

وفي عام 2004 بدأت حروب الحوثيين ضد السعوديين، واستمرت هذه الحروب حتى الآن، وتصاعدت بسبب العدوان السعودي الغاشم على الشعب اليمني، وهو عدوان مرده اضطرار السعودية لتنفيذه بنفسها بعد أن فشل عملاؤها في تنفيذ الدور المطلوب منهم، وإدراك آل سعود عدم قدرة عملائهم في اليمن على فرض النفوذ السعودي عليه.

يكاد يجمع المحللون الاستراتيجيون على أن تورط آل سعود في العدوان البربري على الشعب اليمني والسيادة اليمنية سينعكس وبالاً على النظام السعودي، الذي سيدفع ثمنه باهظاً، وقد يتمثل هذا الثمن بوضع حد نهائي للحقبة السعودية وإعادة رسم الخريطة السياسية لشبه الجزيرة العربية، بما يشكل في النهاية خدمة كبرى للمشروع الصهيوني.

العدد 1104 - 24/4/2024