من سياسة الشحن إلى سياسة التفريغ

أزالت ثورة الاتصالات مساحة واسعة من الغباء السياسي. وبرهنت تجارب الشعوب والأمم خلال تاريخها النضالي الطويل، أن الإمبريالية هي العدو الأول لها. وأن ف. إ. لينين كان صائباً حينما قال: (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية). وأنتجت سياسة الولايات المتحدة أعمدة من دخان الكراهية وسخام الحقد من مئات الملايين في البلدان النامية، خاصة في الشرقين الأوسط والأدنى.

إنَّ سياسة البيت الأبيض مثل التيار الكهربائي الذي يشحن البطارية، ثم يتمّ تفريغها في مجالات الاستخدامات اليومية. وهي تمارس سياسة الشحن والتفريغ يومياً، من خلال الخطط التكتيكية والاستراتيجية المعنونة بمكافحة الإرهاب ومساعدة  دول المنطقة، والعمل على إسقاط الأنظمة وتبديلها بما يروق لها ويخدم مشروعها الشرق أوسطي (القديم – الجديد)، فهي في حالة هيجان دائم ولم تخمد نيران حقدها، وتستمر في كذبها وصولاً إلى حالة الإذلال، كما جرى قبل أيام مع السيد (بايدن) نائب الرئيس أوباما، عندما صرّح بأن تركيا والإمارات هما من يدعم الإرهاب، ثم رضخ راكعاً معتذراً ومبرراً ليرضي حلفاءه صاغراً.

لم تحقق السياسة الإمبريالية النجاحات المرجوة، التي لم تصل إلى مستوى (الفخر والاعتزاز)، وذلك نتيجة حقدها المزمن على دول المنطقة وشعوبها، خاصة على سورية والعراق. ورغم التحالفات الدولية التي أشبعت تمهيداً وزخرفة وأضيئت لها الشموع في خليج الدم والإرهاب، إلاَّ أنها، بعد فترة قصيرة، بيَّنت فشلها، وأن الاستراتيجية الأمريكية التي روَّج لها السيد أوباما وطنطن بها على المنابر الأمريكية والأممية، مثل سفينة غرقت مع حمولتها وبحارتها في مياه المحيط ولم تجد من ينقذها!

لقد أشعلت الولايات المتحدة وحليفتاها الرئيستان (بريطانيا وفرنسا)، بؤر التوتر في أوكرانيا لإضعاف روسيا ومحاولة شلّها وتراجعها عن موقفها الداعم لسورية والعراق. وأرسلت مؤخراً سلّة غذائية مغرية إلى هونغ كونغ لإضعاف الصين، لكنها كما يبدو كمن يصطاد في المياه العكرة.

إنَّ الصين التي تحوَّلت إلى دولة صناعية منافسة لأول دولة رأسمالية في العالم، تركت خلفها دولاً عديدة كانت متقدمة عليها بدرجات كبيرة، فهي الدولة العظمى التي تعزز علاقاتها التجارية مع أوربا باستمرار، فقد بلغت تجارتها 291 مليار دولار، أي أنها ازدادت بنسبة 12 في المئة، و73 مليار دولار مع السعودية الحليف (المؤمن) للولايات المتحدة.. وهذه هي الأسباب التي أرعبت أوباما وأركان البيت الأبيض.

الأكثر شحناً وتعبئة بالحقد على سورية، هو رئيس العثمانية الجديد (أردوغان)، الذي لم يملْ ولم يكلّ، بكيل الاتهامات والتهديدات للشعب السوري والدولة السورية، وهو الشخصية الأطلسية المشحون بالعداء، ونرجسية الزعامة للإمبراطورية الإسلاموية التي ينوي رئاستها، والدعوة إلى إقامة منطقة آمنة على الحدود التركية – السورية.

هناك تحالف إرهابي ثلاثي، له ثلاث ركائز إقليمية ودولية يضمّ (الولايات المتحدة وتركيا والمسلحين الإرهابيين وعلى رأسهم داعش) يعلنون أن بينهم خلافاً جوهرياً.. لكنَّ الحقائق على الأرض غير ذلك..! فالولايات المتحدة هي التي أسست (داعش) واحتضنته ورعته حتى أصبح شاباً وقادراً على إعالة نفسه ويمارس الدور الإرهابي المنوط به والمكلَّف بتنفيذه.

ومن يصدّق أن أردوغان يتسلَّح بالشجاعة ويضع شروطاً على الولايات المتحدة، وهما الحليفان الإرهابيان في حلف شمال الأطلسي. وأنه لن يدخل التحالف الدولي إلاَّ بعد: (إقامة منطقة عازلة، وعدم إشراك حزب العمال الكردستاني وحليفه الحزب الديمقراطي في سورية، وربط الحرب ضد داعش بخطة للتخلص من النظام السوري).

وكشفت المعارك الدائرة منذ أسابيع بين تنظيم داعش والأكراد في منطقة (عين العرب)، الكلام المعسول الذي يتبجّح به التحالف الدولي وتركيا، وبيّن أن هناك تشاركية بين الأطراف الثلاثة.

إنَّ التحالف الدولي الممثل بدول حلف الناتو، مضافاً إليه مرتزقة الدول العربية، باعتبارها تشكل رقماً زائداً مخصصاً للدفع (كاش)، قد شهدت السنوات الماضية العدوان والتدخل في الشؤون الداخلية، كما في يوغسلافيا عام 1999  خلال حرب كوسوفو، وغزو العراق عام 2003 ، والحرب الشرسة على ليبيا عام 2011.   وما يزال (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة وجنرالات الدول الصناعية الكبرى، يسعى بكل ما يملك من أساليب ودسائس وتخطيط لـ(تصنيع) المعارضات ضد الأنظمة والدول، كما في أوكرانيا وهونغ كونغ والدول العربية وغيرها.

السؤال: إلى متى تظل سياسة الولايات المتحدة القائمة على الشحن والتفريغ سائدة في المنطقة والعالم؟ ألا يحتاج العالم النامي بشعوبه وقواه السياسية الوطنية والديمقراطية والتقدمية اليوم أكثر من السابق إلى تشكيل الجبهات الفعَّالة لصدّ العدوان الإمبريالي والحد من سياسة الرأسمالية المتوحشة؟

العدد 1105 - 01/5/2024