من عُمر الحزب (1924-2014)

ما تزال منظمات الحزب تحتفل بالذكرى التسعين لتأسيسه.. هذه الذكرى التي أعادت الشيوعيين إلى قراءة بعض الصفحات من تاريخ الحزب، في ظروف صعبة ومعقّدة تمرّ فيها سورية منذ نحو أربع سنوات.

الصفحة الأولى التي تبدأ بها زاويتي الأسبوعية، مضى على كتابتها خمسة وأربعون عاماً. ففي عام 1969 كنت في السنة الأولى في جامعة دمشق، في عام انعقاد المؤتمر الثالث للحزب (أوائل حزيران 1969).

لقد كان المؤتمر الثالث محطة مفصلية في تاريخ الشيوعيين السوريين، بعد انقطاع طويل دام ربع قرن على انعقاد المؤتمر الثاني (أوائل 1944).

انعقد المؤتمر تحت شعار (النضال في سبيل تصفية آثار العدوان الإسرائيلي الاستعماري .. في سبيل توطيد النظام الوطني التقدمي في سورية العربية .. ومن أجل الاشتراكية والوحدة العربية).

محطة انتقالية جديدة نحو المستقبل، رسم الحزب فيها خريطته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمطلبية والثقافية. وأعلن الشيوعيون في هذا المؤتمر أنهم مسؤولون عن كلّ هذا الماضي، بكلِّ ما فيه من منجزات وانتصارات ومن نقائص وأخطاء.

وأكَّد الشيوعيون قول قائد ثورة أكتوبر ف. أ . لينين، على أن الحزب السياسي الجدّي هو الحزب الذي لا يقتصر فقط على ذكر مواقفه الصائبة – فذكر هذا ضروري جداً – ولكن كذلك لا يخشى ذكر أخطائه، بل يسارع إلى تحليلها، ومعرفة جذورها وأسبابها، وإلى السعي للتغلب عليها ولتجنب مثلها في مراحل النضال المقبلة.. ويؤكد لينين، أن إنسانا لا يخطئ، لم يخلق، وإنما المهم إدراك الخطأ والإسراع إلى تلافيه.

الصفحة الثانية التي يمكن التذكير بها، تدور حول ما ردده أعداء الحزب والاشتراكية، التي منها على سبيل المثال لا الحصر، (أن العامل لا وطن له) – كما جاء في البيان الشيوعي عام 1848 -فالحزب دافع عن هذه المقولة، ويرى أنَّ الرأسمالية هي التي تنتزع العامل من وطنه، وتجعله مُجْبراً على البحث عن عمل يعيش منه في أي  بلد يتيسر فيه ذلك.

والصفحة الثالثة في هذه الزاوية اتَّهام أعداء الشيوعية الحزب الشيوعي بإنكار الوطن، لأن شعارهم (يا عمال العالم اتحدوا). فالرجعية والصهيونية والإمبريالية، ثالوث معادٍ للبشرية وللتقدم والاشتراكية والإنسانية جمعاء، فهم لا يريدون أن يتَّحد عمال العالم ضد الرأسمالية المتوحشة والإمبريالية والاستغلال واضطهاد العمال والكادحين، ولا يعلمون أن هذا الشعار يعني عمال جميع البلدان على اختلاف قومياتهم ولغاتهم وعاداتهم، وعلى تباين الظروف التي يعيشونها في أوطانهم، لهم مصلحة مشتركة في انتصار الثورة الاشتراكية العالمية.. ولهم مصلحة أيضاً بالتضامن والتعاون على انتصار الاشتراكية في كل بلد من بلدانهم.

وكان عام 1991 (المؤتمر السابع الموحد) هو عام التجديد والتوحيد.. عشية انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة البلدان الاشتراكية وحلف وارسو. وأعلن الحزب الشيوعي السوري الموحد بوضوح في الصفحة الرابعة، أن يقترن العمل التوحيدي بطابع ديمقراطي وتجديدي ملموس، في أنماط التفكير، وأساليب العمل، وفي تركيب الهيئات الجديدة، وفي إشاعة الديمقراطية والعدالة والإنسانية في الحزب، وأن يُحْتَرم فيه تعدد الآراء في إطار وحدة الإرادة والعمل، ووحدة التوجه الفكري العام لدى أعضاء الحزب وهيئاته ومنظماته، بوصفها شرطاً لا غنى عنه لتعزيز فعَّاليته ونشاطه.

وركَّزت الصفحة الخامسة على حياة الحزب الداخلية، على الانتقال في أساليب القيادة من العمل الفردي إلى عمل المؤسسات، وترسيخ الديمقراطية في عملها، والحفاظ على حقوق الأقلية، وإلى ممارسة أوسع أشكال الديمقراطية الحزبية، مع وجود مركز يضمن وحدة الإرادة والعمل.

أما الصفحة السادسة، فالحزب الشيوعي منذ تأسيسه، يولي المثقفين (المبدعين والفنانين والأدباء والكتاب)، أهمية كبيرة ببناء علاقة جيدة معهم، والعمل على تأصيل المفاهيم وتحديدها. ويتطلب هذا حواراً خلاقاً بين الحزب والمثقفين. وتوسيع دائرة الاهتمام بهم وبمطالبهم، وتشجيعهم على الاستمرار فيما يختارونه من أشكال لمواجهة السلفية والأصولية، ومحاربة الوعي الزائف، والمفاهيم الغيبية، والحد من انتشار المفاهيم المضللة، كالليبرالية الجديدة والفوضى الخلاقة والديمقراطية المزيفة.

ويستند الحزب في علاقته بالمثقفين إلى تجربة غنية، بلغت أوجها في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. فقد ضمَّ في صفوفه ومن حوله خيرة المبدعين والمثقفين، فقلما نجد مثقفاً أو مبدعاً لم يتأثر بالفكر الاشتراكي الذي نشره الحزب.

ويبقى المثقفون المبدعون طلائع الفكر الديمقراطي والتفكير العلمي، وتزداد أهميتهم بمقدار التزامهم الطوعي بقضايا الشعب والوطن، وبمواجهتهم للمفاهيم التي تأخذ طريقها في الانتشار السريع حول مسألة الهوية الوطنية، التي يراد التشكيك بوجودها بدواعي العولمة التي تخترق سيادات الدول وهويتها الوطنية والقومية، التي تتعزّز بالانفتاح والمعاصرة.

العدد 1107 - 22/5/2024