ماذا يطبخ أردوغان في قصره الأسطوري بعد الهزيمة؟

يُجمع العديد من الخبراء والمحللين السياسيين على أنه من الصعب أن يصدق أحد أن أردوغان قد سلّم بهزيمته الانتخابية.

قد يكون هذا الزعيم (الإشكالي) قد تجاوز حالة (الصدمة) وقرأ ملخصات لمئات المقالات والتحليلات التي توسعت في شرح ملامح النكسة وأبعادها التي أصابته شخصياً وحطمت الأحلام التي تراوده وتسكنه بأن يصبح خليفة لكل مسلمي الشرق.. كما يُجمع أولئك المحللون في الوقت نفسه على أن أردوغان شخص عنيد وحاقد ومسكون بهاجس زعامته الرسالية، وبالتالي مثل هذه الشخصية لا تسلّم بالهزيمة بسهولة، ومن المؤكد أنه يتحضر بل شرع في شنّ هجمة من أشرس هجماته المضادة التي اشتهر بها. صحيح أنه اعترف بنتائج الانتخابات بعد صمت غير مسبوق استمر أربعة أيام، وأنه دعا الأحزاب للتلاقي في حكومة ائتلافية، لكن الصحيح كذلك أن كثرة من المراقبين يترقبون بمزيد من الاهتمام ما الذي يُعده أردوغان ويطبخه في غرف قصره الرئاسي الأسطوري بعيداً عن الأنظار.

ثمة ما يشير إلى أنه سيكلف ظله أحمد داود أوغلو تشكيل الحكومة الجديدة، على الرغم من الهزيمة المروعة التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية تحت قيادته.. بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هو أية توجيهات سيحملها أوغلو من (سيد القصر الأسطوري)؟ وكيف ستكون المشاورات بمثابة مسرحية هزلية لغايات مراعاة الإجراءات الدستورية المعتادة، وبهدف إقناع الأتراك بأن حزبهم (القائد) يحترم قولاً وعملاً اللعبة الديمقراطية، أغلب التقديرات تشير إلى ذلك.

إذا امتنعت المعارضة التركية عن الانصياع لشروط حزب العدالة والتنمية، وأخفق داود أوغلو في تشكيل حكومة ائتلافية، فإنه من المستبعد أن يُكلف أردوغان الحزب الثاني في نتائج الانتخابات (حزب الشعب الجمهوري) بتشكيل الحكومة، والسؤال: لماذا؟!

1- انعدام مناخات الثقة بين هذا الحزب وحزب أردوغان.

2- وهذا الأهم: خشية أردوغان وحزبه من فتح كثير من الملفات التي أُغلقت بإحكام، خاصة أن أردوغان يعرف تمام المعرفة أن حكومة لا يشكّل حزبه عمودها الفقري، ولا يكون هو شخصياً (ضابط الإيقاع) فيها، لن تتوانى عن فتح جميع الملفات، وأكثرها محرج جداً للرئيس والحكومة والحزب الحاكم، وأهمها:

1- ملف الفساد الذي فاحت روائحه وجابت الآفاق، والذي سيطول ابنه (بلال) الذي أصبح رمزاً للفساد في ظل حكم والده، فهو يملك شركة نقل بحرية كبيرة تتعاون مع إسرائيل ومع المافيات العالمية، إضافة إلى شركات أخرى كبيرة.

2- ملف التورط الأردوغاني في عشق (داعش) ودعمها مباشرة بالسلاح والرجال، وتجارة النفط والآثار، والسوق السوداء، وتزوير العملة وغير ذلك، وهو ملف آخر خطر يخشى أردوغان من تركه بين يدي من لا يرحمه.

3- ملف مشاريع الأسلحة والتمكين التي تجاوزت الدستور التركي والقوانين التركية، إذ إن أردوغان يريد إبقاء هذه المشاريع قيد الكتمان.

لاشك بأنه إن انتقلت الحكومة الجديدة إلى المعارضة، فسيكون المستقبل السياسي لأردوغان في مرمى الخطر. البعض يقول إن الانتخابات الأخيرة أوصلت قطار زعامة أردوغان إلى محطته الأخيرة.. بمعنى آخر لن يحقق أردوغان حلمه في تزعّم تركيا والمنطقة بأسرها، وأن يقود احتفالات تركيا بالذكرى المئوية لقيام الجمهورية، والأخطر أن الرجل قد يواجه المصائر ذاتها التي أوصل إليها خصومه من رموز سياسية ومن قادة الجيش والسلطات العلمانية السابقة. يتوقع المراقبون أن الانتخابات المبكرة ربما تكون خيار أردوغان الانقلابي الأخير، ولكن هذا الانقلاب سيجعله أردوغان ناعماً، ومتماشياً مع نص القانون حتى وإن تعارض مع روح الدستور.. ومن أجل ذلك ستشهد تركيا مشاورات ومفاوضات (ماراثونية) هدفها الأول والأخير تعبيد الطريق لانتخابات مبكرة من دون شبهة انقلابية، لكن بالمقابل ليست هناك ضمانات بأن نتائج الانتخابات المبكرة ستكون أفضل من سابقاتها.. ليس هناك من دلائل على أن حزب العدالة والتنمية سيعود يحكم تركيا حكماً منفرداً، أو على أن أردوغان سيبقى يتمتع بصلاحيات مطلقة، بل قد ينقلب السحر على الساحر، وتهب الرياح بما لا تشتهي سفن الزعيم الديكتاتور.

وهكذا نخلص إلى القول بأن مفاجآت قادمة قد تصدر عن حزب العدالة والتنمية بزعامة المغامر أردوغان، بعد النكسة التي أُصيب بها في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهنا يجب ألا ننسى بأن أردوغان وضع نفسه وبلاده في خدمة حلف شمال الأطلسي، علّه منه خلال ذلك يصل إلى تحقيق أحلامه التي أشرنا إليها قبل قليل في إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية البائدة.. هذا مع العلم بأن الشعب التركي أخذ يدرك أكثر من أي وقت مضى خداع أردوغان وحكومته، وهذا ما تجسد في الانتخابات التركية الأخيرة.. رغم كل ما مارسته سلطات أردوغان من ضغوط ومحاولات تزوير خلال الانتخابات المذكورة.

العدد 1105 - 01/5/2024