الأسعار لا يحكمها منطق ولا تخضع للنواظم والضوابط!

كان للعيد الذي مضى أثر بالغ على معظم الأسواق، بدءاً من أسواق المواد الغذائية والألبسة، نهاية إلى بعض الخدمات، سواء الأفران أو حتى السرافيس وغيرها، فقد شهدت معظم الأسواق تحركاً سريعاً في الأسعار، وبالطبع التحرك لم يكن هبوطاً بل كان ارتفاعاً فقط، حتى بات الفران يطالب بمعايدة على سعر ربطة الخبز، وأصبح سائق السرفيس أو التكسي يأخذ (العيدية) الإجبارية من الراكب، وكذلك محطات الوقود التي أصبحت تبيع ليتر البنزين بـ150 ليرة، وهكذا حتى طالت العيدية البطاطا والخيار والكوسا والباذنجان والبقدونس والكزبرة، فكل شيء يجب أن يقوم المواطن (بتعييده) إجبارياً على حساب دخله وجيبه المخروم!

وبعد مرور المستهلك بالعديد من المراحل التي قامت بتصفية دخله من رمضان إلى عيد الفطر إلى المدارس وموسم (المونة)، إلى عيد الأضحى، فإنه الآن يواجه شبحاً آخر سيثقل كاهله أكثر، وهو تلبية حاجته من الألبسة الشتوية لتكتمل المعاناة أكثر. والذي حدث قبل عيد الأضحى هو ارتفاع شاهق في أسعار الألبسة، وهذا لكي يشتري ألبسة الشتاء فقط، إذ شهدت الأسواق أثناء فترة موسم عيد الأضحى مزيجاً مابين الألبسة الشتوية والألبسة الخريفية والصيفية، ولكن المستهلك كان على حذر من اقتناء الملابس الخريفية، لأنها مرتفعة الثمن أيضاً.

وفي جولة على الأسواق استطعنا الوصول إلى فكرة تؤكد حدوث جمود في العرض والطلب على الألبسة الشتوية، مع غياب التخفيضات على موسم الألبسة الصيفية، التي كنا نشهدها خلال السنوات السابقة، والشيء الأكثر غرابة هو الأرقام الفلكية التي وصلت إليها أسعار الألبسة الشتوية. فبعد أن عجز المواطن عن تعبئة المازوت لعدم قدرته على شرائه، وخصوصاً بعد أن وصل سعر الليتر رسمياً إلى 80 ليرة، فنعتقد أيضاً أنه أصبح من الصعب على المواطن أن يحصل على الدفء من الألبسة لجنون أسعارها.

الأسعار التي استطعنا الوقوف عليها لبعض الألبسة الشتوية كانت غير معقولة، فقد بلغ سعر الجاكيت الولادي نحو 4000 ليرة، وبالطبع الرجالي أصبح 6500 ليرة، وهو من النوعية الوسط، أما البنطال الشتوي الرجالي فأصبح بـ 2800 ليرة، والكنزة الرجالية بـ3 آلاف ليرة، وكذلك الأمر بالنسبة للألبسة النسائية فقد بلغ سعر الكنزة القطنية نحو 3 آلاف ليرة، في حين كان سعرها سابقاً 500 ليرة لا أكثر.. وبلغ سعر طقم الولادي الشتوي نحو 4500 ليرة، وسعر البنطال الولادي نحو 1400 ليرة، وسعر الجوارب الولادية نحو 150 ليرة وكان سعرها 25 ليرة سابقاً. أما أسعار البالة فكانت أرحم قليلاً على المستهلك على الرغم من تضاعف أسعارها، فالقطعة التي كانت بـ300 ليرة أصبحت بـ600 ليرة، وهكذا حتى شمل ذلك أيضاً أسعار الأحذية التي تباع في البالة.. أما البسطات فرفعت أيضاً مؤشرات أسعارها، ولكن تبقى شعبية نوعاً ما وتبقى أرخص من المحال التجارية، فأسعارها تضاعفت ولكن بقيت ضمن المعقول، فالكنزة الولادية تباع بسعر 500 ليرة على البسطة ولكنها متدنية الجودة.

أصحاب المحال كان لهم مبرراتهم، فهم لا يتنازلون عن السعر إلا قليلاً، فسعرهم ثابت وحجتهم جاهزة، وتتمثل بعدم وجود بضائع في أسواق الجملة وارتفاع أسعارها الناتج عن ارتفاع تكاليفه والاعتماد على استيراد الخيوط والأقمشة وارتفاع أسعار القطن، إضافة إلى قلة الإنتاج والعرض في السوق الناتج عن خروج المعامل عن الإنتاج وارتفاع تكاليف الإنتاج. المواطن لايزال يأمل انتهاء الأزمة التي تعصف بالوطن وعودة الأسعار إلى طبيعتها والتوازن إلى السوق، والجميع يتمنى أن لا يطول ذلك، وهناك مجموعة عوامل ساهمت وتساهم في ارتفاع الأسعار وهي مازالت موجودة، وكأن هناك من يريد لها الاستقرار وإعاقة حلها والإبقاء على معاناة المواطن مقابل مكاسب وأرباح تحققها شريحة من التجار والسماسرة على حساب شريحة أكبر من المواطنين.. فقد تسبب غياب التدخل المباشر في السوق المحلية وتحرير الأسعار تراكماً في المشكلات والأخطاء، وتفاقماً للأزمات واستمرار الفوضى والعشوائية ونشوء السوق السوداء، فالسوق المحلية تحركها أصابع وأيدٍ خفية في ظل الأوضاع الحالية.

إن التدخل الجدي والسريع مطلوب أكثر من أي وقت مضى ولابد من العمل على أكثر من محور لأجل إعادة التوازن إلى السوق.

من الملاحظ اليوم أن الفشل التجاري يوجد أينما وجدت المعاملات التجارية، فقد أصبح بتناول جميع ما يحتاجه المواطن، سواء في مأكله أو شربه أو ملبسه أو علاجه أو ما يمتلكه ويستخدمه في سلع كمالية، ويتخذ أشكالاً وأنواعاً مختلفة.

إن عشوائية أسواقنا وطفرة الأسعار بالجملة تتطلب جهوداً مخلصة وهمية عالية للإقلاع بحال السوق إلى الأمام..

ترى هل أدمن تجار الأزمات الخطأ، وأصبح عادة عندهم؟ نحن على ثقة بأن هؤلاء التجار لا يشعرون بالخوف ولا بتأنيب الضمير ولا بالخجل..

اليوم الجميع معني بالمسؤولية والأمل والإحساس تجاه رسالة التنمية والازدهار.. الوطن لأبنائه بعيداً عن الاستغلال.. ليعيش الجميع بخير وأمان.

العدد 1104 - 24/4/2024