الحل السياسي يبدأ بالحوار

أثبتت تجارب الشعوب بشكل عام والتجربة السورية بشكل خاص، أن الحوار يذلل الصعوبات ويقلّص الاختلافات، باعتباره الأكسجين الذي يلطّف الأجواء السياسية المتوترة منذ سنوات أربع، ويمهّد الطريق للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية التي تعدّ حدثاً كبيراً لا مثيل له في تاريخ سورية وتاريخ الشرق الأوسط وربما في العالم خلال القرنين الماضيين.

لقد كان (جنيف1 وجنيف2) محطة أولية أو مقدمة لتبيان وعرض وجهتي نظر الحكومة السورية وطرف واحد من أطراف المعارضة الخارجية هو ما يسمى بـ(الائتلاف) التابع كلياً، والمدعوم (مادياً وعسكرياً ودبلوماسياً ولوجستياً) من جهات خارجية (إقليمية وخليجية وأوربية).

ولم تثمر سياسة الولايات المتحدة وحلفائها في تدمير سورية وتفتيتها وتقسيمها إلى دويلات إثنية وطائفية.. وكان مصير (المناطق الآمنة) في شمال سورية وجنوبها الفشل.. وقدم الجيش السوري التضحيات الكبيرة من أجل الحفاظ على سيادة سورية ووحدتها وأمنها وقرارها المستقل وضد أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية.

ولا بدّ من التذكير أنه جرت مصالحات في مناطق عدة بنوعيها (الأمني والاجتماعي). وقد خففت هذه المصالحات قليلاً من نزيف الدماء وبدأت الحياة الطبيعية تعود تدريجياً إلى هذه المناطق في الأرياف والمدن. واعتبرت الطريق التي تؤدي إلى الحل السياسي الشامل، رغم الهَنَات التي اعترضتها والنكسات التي أدت لدورة جديدة من القتال. وبذلت لجان المصالحة مساع كثيرة لتعميم هذه النماذج حسب واقع كل منطقة وظروفها. واتَّكأ المبعوث الدولي (دي ميستورا) عليها واعتبرها سنداً ودعامة لـ (خطة تجميد القتال في حلب).

وطيلة هذه الفترة لم تنكس راية الحوار، وظلت الدبلوماسية الروسية وأصدقاء سورية الدوليين والإقليميين في حالة استنفار دائمة، وأجريت اتصالات بين أطراف المعارضات في (الداخل والخارج). وأنتجت الأزمة المتفاقمة إفرازات وأحدثت انقسامات في كتل (الائتلاف) على أساس فكري وسياسي وشخصي. وظهرت مواقف متباينة ومتغايرة (متطرفة ومعتدلة). ورغم ما كان يجري في صفوف المعارضة، استمرت روسيا والدول الصديقة لسورية في بذل جهود سياسية ودبلوماسية مع جميع الأطراف في الحكومة والمعارضة، والبحث عن مبادرات ستؤدي في نهاية المطاف إلى جلوس المعارضة التي تؤمن بحوار سوري – سوري على طاولة الحوار بوفد موحد إلى جانب الوفد الحكومي الرسمي دون أي تدخل خارجي، لإيجاد الحل السياسي الذي يوصل سورية إلى شاطئ الأمان والسلام، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل الطيف الوطني والنسيج الاجتماعي السوري بمختلف مكوناته.

وحققت روسيا بعض النجاحات بفتح أبوابها أمام المعارضة السورية في الداخل والخارج.. وجرى تبادل وجهات النظر بشفافية حول موقف هذه الكيانات السياسية. وتمَّ التوصل إلى اتفاق أولي بإجراء حوار لوفد المعارضة الذي يفضل أن يكون وفداً موحداً له مواصفات سياسية واضحة من الأزمة وآفاق الحل السياسي ومستقبل سورية، خاصة بعد أن كانت فرص نجاح خطة دي ميستورا ضئيلة، بسبب موقف بعض الجماعات المسلحة والتعنت التركي بشأن إغلاق معابر المنطقة الحدودية الشمالية، التي يَعْبر منها المسلحون وتمرر منها الأسلحة. إضافة إلى ذلك، إصرار الحكومة السورية على الربط بين القبول بدراسة الخطة، وضرورة تطبيق قراري مجلس الأمن رقم (2170 و 2178) الخاصين بتجفيف منابع تمويل تنظيمات داعش.

وهناك سبب آخر له أهمية سياسية وتحالفية بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، فقد عرقلت تباينات المواقف المرتجلة والمتسرّعة فيما بين الأوربيين أولاً، وثانياً التصريحات المتباينة والمتناقضة بين الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته حول نجاح الخطة الاستراتيجية الأمريكية من جهة، والشعور من قبل بعض كبار المسؤولين الأوربيين أن (سياستهم تجاه سورية كانت خاطئة) من جهة ثانية.

أصبحت المبادرة الروسية أكثر واقعية، بعد أن رحّبت بها أطراف عدة من المعارضة في داخل سورية وخارجها.. وبعد أن قامت وفود من هذه الأطراف بالحوار فيما بينها، وعقد لقاءات مع مسؤولين مصريين في القاهرة، لبحث خريطة طريق واحدة والتمثيل بوفد واحد للحوار مع وفد الحكومة السورية في موسكو أواخر شهر كانون الثاني 2015.

العدد 1105 - 01/5/2024