«البرد قارس وبرميل المازوت خالص» والمواطن يبحث عن دفء يناسب دخله

المازوت يكلف راتباً شهرياً… والغاز ثلثه والحطب لم يعد للفقراء!

بدأ فصل الشتاء وبدأ البرد يتسرب إلى البيوت، وبدأ المواطن رحلة البحث عن الدفء، وأخذ يجري المقارنات بين دخله والأسلوب الذي يريد أن يتبعه هذا الشتاء لكي يحصل على الدفء، وما إن تقابل أي مواطن يبادرك بسؤال: كيف ستتدفأ هذا الشتاء؟.. ليكون الجواب مصحوباً بالعديد من الاقتراحات التي لا يستطيع ذوو الدخل المحدود تحملها، وليصل الحديث بين الطرفين إلى جواب واحد هو أن الدفء أصبح يكلف الكثير في ظل رفع أسعار المازوت الأخير، ونقصه الحاد، وصعوبة الحصول عليه على رغم رفع سعره، وانتشار السوق السوداء وتوسعها وتجار الأزمات.. فأصبح حال المواطن في ظل صعوبة الظروف الاقتصادية التي تمر عليه حالياً يعيش على المثل القائل (دبر راسك)، فالشتاء دق الأبواب وكما يقال (البرد قارس وبرميل المازوت خالص)، والمواطن بات حيران لا يعلم كيف يحصل على الدفء، وتبقى الحلول صعبة المنال، لأن تكاليفها باهظة الأثمان، وسنعرض في الكلمات التالية تكاليف التدفئة التي سيتحملها المواطن في حال أراد أن يحصل على الدفء عبر الأساليب المتاحة أمامه.

(طاسة المازوت) تكلف 700 ليرة..

حالياً المواطن يفكر وربما لا يصل إلى حل يناسب دخله في الحصول على الدفء هذا الشتاء، فالمازوت رغم صعوبة الحصول عليه، ذو سعر مرتفع، وأصبح لذوي الدخول المرتفعة، فالليتر يباع في السوق السوداء بـ140 ليرة و(تنكة المازوت) بـ 2800 ليرة، أي أن (طاسة المازوت) تكلفه 700 ليرة، أما في السوق النظامية فلا يوجد إلا بشق الأنفس والواسطات، ومع حلول كل شتاء يتكرر سيناريو أزمات المحروقات، فمحطات الوقود تضع عبارة (لا يوجد مازوت)، وبائع الغاز يضع لافتة (لا يوجد غاز)، ووحدات المياه تقول (التقنين كل ثلاثة أيام)، والكهرباء تغيب عن البيوت ولا تعلم طريقاً للعودة إلا بعد ساعات طوال، والمواطن عليه أن يبقى متيقظاً بين (الكازية وبائع الغاز وبين الكهرباء وخزان المياه).

التدفئة على المازوت معادلة خاسرة لدى الموظف

وبالحديث عن الدفء وكيفية الحصول عليه هذا الشتاء، فالحلول أمام المواطن باتت ضيقة جداً لارتفاع التكاليف، فسابقاً كانت معظم الأسر تعتمد على المازوت في التدفئة، ولكن حالياً باتت التدفئة على المازوت من الرفاهيات، بل ضرباً من المستحيل لذوي الدخل المحدود، فموظف راتبه 25 ألف ليرة شهرياً يحتاج إلى برميل مازوت على أقل تقدير في كل شهرين مع التقشف، ويبلغ سعر البرميل 16000 ليرة (في حال حصل عليه بسعره النظامي)، وهو 80 ليرة لليتر، أي أنه يجب أن يستغني عن راتب شهر في كل شهرين، وعليه أن يعيش براتب واحد خلال شهرين وأن يأكل ويشرب ويتنقل ويلبس ويدفع فواتير الكهرباء والماء والأطباء والتعليم والاتصالات، إذاً المعادلة خاسرة في نتيجتها، ولا يمكن أن يلجأ إلى هذه الطريقة في الحصول على الدفء، فما هو الخيار الأخر المتاح أمامه؟.. يسأل المواطن نفسه.

التدفئة على الغاز تكلف الموظف ثلث راتبه

الغاز ربما يعتبر الحل الأمثل يقول المواطن، ولكن هناك صعوبات تعترض هذه الطريقة في الحصول على الدفء، كون اسطوانة الغاز تكلف 1150 ليرة، وحاليا أصبح من الصعب الحصول عليها بسبب أزمة الغاز وتباع في السوق السوداء بحدود 1800 ليرة، والغاز خطر في الاستعمال ويسبب الاختناق، ويحتاج إلى مدفأة غاز يصل سعرها إلى نحو 18 ألف ليرة، وهو يحتاج إلى اسطوانة غاز كل أربعة أيام على أقل تقدير، أي أنه يحتاج شهريا إلى 8 اسطوانات غاز سعرها يصل إلى نحو 10 آلاف ليرة، وراتبه هو 25 الف ليرة، أي أنه يحتاج إلى أكثر من ثلث راتبه للحصول على الدفء باستخدام الغاز، إذا النتيجة أيضا لا تناسب دخله، فما هو الخيار الأخر المتاح أمامه ليحصل على الدفء؟ يسأل المواطن.

الكهرباء خارج الخيارات والحطب أصبح لا يناسب الفقراء

الكهرباء أصبحت خارج جدول الخيارات المتاحة أمام المواطن، لأن ساعات التقنين تطول أكثر، خاصة في الشتاء، إذ يزداد الطلب على الكهرباء وتكثر الأعطال، إذا ما هو الخيار الآخر، لم يبقَ إلا الحطب.

الحطب كان للفقراء كما يقال، ولكن حالياً أصبح يضاهي المازوت، ولم يعد يقدر على تكلفته إلا المقتدر ماليا، فسعر كيلو الحطب أصبح 40 ليرة، وطن الحطب أصبح لا يقل عن 30 ألف ليرة، في حين كان العام الماضي لا يتجاوز 18 ألف ليرة، وسابقاً كان بـ8 آلاف ليرة، أما حالياً ونتيجة زيادة الطلب عليه أصبح مرتفع الثمن، بل أن سعر مدفأة الحطب أصبحت لا تقل عن 10 آلاف ليرة، وبالطبع الشتاء يلتهم ما لا يقل عن 2 طن من الحطب أي أن المواطن يحتاج إلى نحو 70 ألف ليرة للحصول على الدفء باستخدام الحطب، ولكن تبقى التكلفة مرتفعة، فلجأ المواطن إلى قصاصات الأقمشة التي (كانت) معامل الألبسة ترميها في الحاويات، إلا أنها حاليا أصبحت تباع كونها أصبحت مصدرا للحصول على الدفء.

التدفئة الذاتية هي الأرخص

إذا يبقى أمام المواطن وخاصة ذوي الدخل المحدود أن يحصل على دفء الشتاء عبر (التدفئة الذاتية) والتي تتكون من (الشراشف والأغطية)، كما يمكنه الحصول على الدفء من خلال أشعة الشمس، أو من خلال ممارسة الرياضة بشكل دائم، فهذه الحلول هي الأرخص والأكثر وفرة ولا تحتاج إلى الانتظار لساعات طويلة في الطوابير أو التعرض لاستغلال تجار الأزمات الذين يزدادون في فصل الشتاء.

ما نود في نهاية الحديث التأكيد عليه هو أن المواطن لم يعد بمقدوره الحصول على الدفء هذا الشتاء، ويسأل المتابعون: لماذا الحكومة لدى إصدارها قرارا لا تدرس تأثيره على مختلف شرائح المجتمع؟ ولماذا تدع الآثار السلبية التي تتمخض عن هذا القرار يتلقاها المواطن دون معالجة سريعة؟ فالمواطنون سجلوا  أسماءهم في الوحدات الإدارية للحصول على المازوت وفق بطاقات العائلة، لكن كما قال العديد منهم فإنهم لن يحصلوا على المازوت إلا في الصيف القادم، وربما لا يحصلون عليه أبداً كما هو الحال في كل شتاء؟.. وطالب متابعون أن تقوم الحكومة بتوفير المازوت والغاز بأسعارها الحقيقية، وأن تكافح المتاجرين بحاجات المواطنين، وأن تضع حداً للسوق السوداء التي أخذت بالاتساع بعد رفع سعر المازوت.

العدد 1107 - 22/5/2024