في مواجهة الإرهاب الذي يتهدد البشرية هل تكفي مسيرة باريس؟!

تجمع الزعماء الأوربيون وساروا في موكب مندد بالعملية الإرهابية التي أودت بحياة محرري (شارلي ايبدو)، والتحق بالموكب نتنياهو، زعيم الكيان الأكثر استخداماً لإرهاب الدولة ضد شعب بأسره.. مؤكدين تضامنهم مع الضحايا ومع فرنسا، لكن أحداً لم يتطرق إلى المقدمات التي أدت إلى هذه النتائج.. لم يتطرق هولاند إلى العوامل التي شجعت التطرف الديني كي يتحول إلى إرهاب دولي منظم.. ولم يتحدث عن السياسات العنصرية لليمين المتطرف الذي أصبح يمتلك أكثر من 21% من المجلس التشريعي الفرنسي ضد المسلمين في فرنسا، ولم يذكر هولاند أمام عدسات الكاميرات كيف شجعت فرنسا المنظمات الإرهابية لتنفيذ المشاريع التي تخطط لها الولايات المتحدة والغرب في العديد من بلدان العالم. وبالطبع سكت الرئيس هولاند عن تدريب الإرهابيين وتسليحهم ودعمهم لتنفيذ المخطط الأمريكي الأوربي الخليجي التركي، لقلب الشرق الأوسط رأساً على عقب، وإلحاقه، إلى الأبد، بمصالح أمريكا وأوربا والصهيونية.

لا يكفي هنا إدانة منفذي العملية الإرهابية في باريس، بل ينبغي إدانة كل من ربط بين الدين الحنيف والإرهاب، ومن بدأ بأعمال انتقامية ضد المسلمين في فرنسا وأوربا رداً على عملية باريس.. ومن ينسى عن عمد وليس عن جهل أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، بل له باعث وممول وموجه ومسلح لأداء مهمات ترتبط بمصالح من يرسمون خرائط جديدة لعالم أراد التحرر من وصاية القطب الأوحد وشركائه في أوربا والشرق الأوسط.. تماماً مثلما استخدموه في حربهم ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان وقبل ذلك في العديد من الدول في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا.

ونحن مع إدانتنا لعملية باريس، ومواساتنا لأهالي الضحايا، نطالب الرأي العام الأوربي الذي نشأ على الفلسفة والفكر والأدب والشعر والتاريخ والفن، والذي كان دائماً ينحاز إلى ضحايا العنف والحروب والإرهاب، أن يقف اليوم بشجاعة ووضوح ضد التدخل الأمريكي الأوربي في شؤون بلداننا العربية عامة، وسورية خاصة، فالشعوب وحدها تختار حاضرها ومستقبلها وقادتها.

إن تسليط إرهابيي العالم على قتل السوريين وتهديم بلادهم لن يؤدي، كما كتبنا مراراً على صفحات (النور)، إلا إلى تحول المنظمات الإرهابية إلى خطر يتهدد الإنسانية بأسرها.

أخيراً نذكّر بأن التفجير الإرهابي المجرم في جبل محسن في طرابلس- لبنان أودى بحياة ثمانية أشخاص وجرح العديدين، لكن قادة أوربا وشركاءهم لم يسيروا في موكب شاجب في طرابلس، وقبل ذلك ذهب الآلاف من السوريين ضحايا لعمليات الإرهاب التكفيري، لكن الحكومات الأوربية المندمجة بالمخطط الأمريكي كانت تتجاهل الضحايا وتقف مع الإرهاب.

الأوربيون مطالبون اليوم بالاندماج  في المبادرات الدولية لحل الأزمة السورية بالطرق السلمية.

إن وقف الدعم للمنظمات الإرهابية، ومساعدة السوريين على الحوار والتوافق واختيار مستقبلهم الديمقراطي العلماني، وتكوين جبهة عالمية لدعم الشعب السوري في مكافحة الإرهاب، يفتح الطريق أمام حل جذري لتهديد الإرهابيين للمجتمع الإنساني بأسره.

العدد 1107 - 22/5/2024