بعض ما يضخّ من سموم على الشبكات العنكبوتية

 إن من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي وأجهزة الإعلام من محطات إذاعية وفضائية وصحف ورقية وإلكترونية يفاجأ إلى حد كبير بما تنشره من صور وتبثه من كتابات وتعليقات مخزية، تتمحور حول العزف على وتر الانقسامات الطائفية والمذهبية والحروب التي تشن في المنطقة، وخاصة ضد سورية والعراق واليمن من قبل المجموعات الإرهابية، بدعم وتمويل من تركيا والسعودية وقطر وبرعاية أمريكية غربية، وتتزايد هذه الحملات الإعلامية الشرسة بين حين وآخر، وخاصة في المناسبات.

وعلى سبيل المثال، ففي الاحتفالات التي أقامتها بعض السفارات الإيرانية مؤخراً بمناسبة اليوم الوطني لإيران، نشطت مواقع ووسائل الإعلام في مجال التحريض ضد إيران وسورية ومحور المقاومة بشكل عام، وفي هذا السياق يمكن رصد وتسجيل بعض المؤشرات والمعطيات في سياق هذه الحملة الإعلامية الشرسة أهمها:

* ثمة من (لا يخجل) ولا يتردد في البوح والتصريح علناً بأن إيران هي أخطر على الفلسطينيين والعرب والمسلمين من إسرائيل، وأن (فقه الأولويات) يتطلب إرجاء الصراع مع إسرائيل، وربما التعاون معها للتصدي للخطر الإيراني الماحق! هؤلاء من دون أدنى أي شك أبناء مدرسة في العمل السياسي لم تر يوماً أن (فلسطين قضية مركزية لها الأولوية)، بل رأت ضرورة ما وصفته من قبل بـ(العدو الشيوعي البعيد في أفغانستان، وهم من بعد، مستعدون للتعاون مع إسرائيل لمقاتلة ما يسمونه (العدو الشيعي البعيد) كذلك.

* الكثير من التعليقات والكتابات على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة، تشفّ عن مدرسة مريضة في التكفير (الإسلاموي) تحصر الإسلام بمذهب واحد من دون بقية المذاهب.. بل وتختزله بواحدة من قراءات (أهل السنة والجماعة).. يتحدثون مثلاً عن (الرابطة الدينية)، بيد أن أحاديثهم في هذا السياق تعمل كسكين جزار حادة النصل، تقطيعاً وتمزيقاً في أوصال الجسد الواحد.. يتحدثون عن (الأمة وعقيدتها)، ولكن تأتي أحاديثهم بمثابة قرارات منفصلة عن الزمان والمكان، توقفت مرجعياتها عند سنين مئات خلت..

كل ما أنجزته البشرية من تقدم لا يعنيهم بشيء، بل هاجسهم الأول والأخير بضعة كتب لبضعة شيوخ نصف جهلة أو جهلة، صارت هي مبتدأ كلامهم ونهايته! فبئس ضيق الأفق!

* إن الميل الجارف لـ(شيطنة الآخر) هو جزء من تفكير هؤلاء، كأن يأخذ أحدهم، وهو من شيوخ (الإسلاموية) صورة معينة، وقد تكون مزورة غالباً ويعلق عليها قائلاً: هناك مؤامرة في الخفاء على الإسلام تدبر خلف أبواب مغلقة وفي ليل بهيم!

* تروج التيارات الإرهابية المتطرفة أكاذيب كثيرة، ولا قيمة للأرقام عند هؤلاء المروجين. على سبيل المثال لا الحصر يقولون: قُتل في سورية 300 ألف سوري.. طبعاً هذا الرقم مبالغ فيه كثيراً، إلا أن بعضهم لا يمانع في جعل الرقم ثلاثة ملايين، ويزيد عليه أنصاره بتأكيد دقة المعلومة!

المسافة بين الرقمين هائلة، لكنها لا تستوقف أحداً من مؤيديهم، والأهم أن بعضهم يعلق بأن هؤلاء سقطوا جميعاً برصاص إيران وميليشياتها، وكأن الإرهابيين القتلة الذين تدعمهم السعودية وقطر وتركيا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا كانوا يلقمون بنادقهم وقذائفهم بالورود!

* هناك جيش إلكتروني (إسلاموي) مستنفر ومجند، بحيث لا يترك مناسبة تمر من دون أن يضخ على الشبكة العنكبوتية كل ما لديه من أفكار وقراءات مغلوطة، يتضح مباشرة لمن يقرؤها أو يشاهدها بأنها أفكار وقراءات مضللة وبعيدة عن الحقيقة تماماً ومسيسة وهدامة.

* لا يؤمن هؤلاء المروجون بالحوار، بل القطع والقطيعة هما ديدنهما، قطع الصلات والتواصل والأعناق، والقطيعة مع (الآخر أو المختلف) باعتباره عدواً، ومما يلفت النظر أن المختلف هنا – حسب تصورهم- ليس بالضرورة من انتمى إلى قومية أخرى أو دين آخر، إذ حتى الآخر في المذهب ذاته، بات هدفاً للقطع والقطيعة، فالمصافحات والحوار والسلام، كل ذلك أصبح تهمة تستوجب إحالة أوراق مقترفها إلى فضيلة الشيخ أو المفتي من أمثال القرضاوي وغيره من دعاة (الفتنة) الممولين من قطر والسعودية..

وعلى ضوء ما تقدم يمكن الخروج ببعض الاستنتاجات أو الملاحظات منها:

1- إن هؤلاء المروجين اعتادوا العيش الرغيد بأموال الشبكات الممتدة جذورها في السعودية وقطر، مالاً وعقيدة، وبالتالي فإن خيالهم مريض وأفكارهم ناجمة عن تسمينهم بالمال الأسود والقراءات المغلوطة.

2- بحسابات التاريخ والجغرافيا، فإن إيران دولة جارة، هكذا كانت وهكذا ستبقى، هي ليست دولة محتلة أو عنصرية، بل تمد يدها للعرب منذ قيام الثورة الإسلامية فيها، وتدعم قضية فلسطين ومحور المقاومة بكل ما تملك، فلماذا هذا التحريض ضدها؟!

3- إن حملات التحريض الطائفي والمذهبي، التي يقودها بعض الغلاة، تدخل في سياق سياسة (الانتحار الذاتي الجماعي) وتؤدي إلى المزيد من الاقتتال بين أبناء الشعب الواحد، وبالتالي فإن الحوار الجاد هو أساس كل حل ناجح.

العدد 1104 - 24/4/2024