توقعات الأبراج… والتمسك بالأمل

منذ القدم سعى الإنسان لمعرفة المستقبل انطلاقاً من رغبته بمعرفة المجهول القادم، ليتمكن من تفادي المخاطر التي من الممكن أو من البديهي أن يتعرض لها، ومن هنا نشأ علم التنبؤ بكل أشكاله: تنبؤ فلكي، أو قراءة فنجان، أو قراءة الكف، من خلال إعطاء الرموز والإشارات دلالات ومعاني مرتبطة بالواقع الحي، وتطور هذا العلم يوماً بعد آخر، ذلك أنه كمختلف العلوم تعرض لتطوير أدواته ومفاهيمه وآليات حساباته،

وها نحن اليوم نجد في كل محطة إذاعية أو تلفزيونية وحتى وسائل التواصل الاجتماعي فقرة ثابتة خصصت في برنامجها اليومي للتوقعات الفلكية كالأبراج أو غيرها، نظراً لتوجه الناس بالمجمل إلى معرفة مستقبلهم وعلى كافة الصعد، فالطالب يريد أن يعرف هل سينجح أم لا وما هي العلامات التي يمكن له أن ينالها، والمراهقون يبحثون عن الحب المنشود، والمتزوجون يرغبون بالاطلاع على مدى استمرارية الزواج أو العكس، يضاف إلى هؤلاء، فئة العاطلين عن العمل والمتلهفين للعثور على فرصة عمل بعد بطالة ضاقت بها أرواحهم وأوضاعهم… وغيرها من الفئات الاجتماعية حتى ضمّت المثقفين الذين كانوا ذات يوم يهزؤون بتلك الخرافات حسب زعمهم… لتصبح التوقعات حديث الساعة اليومي لدى الغالبية، لاسيما عند حلول العام الجديد، إذ يبدأ السباق بين المتنبئين أنفسهم، وتحديد صحة تنبؤات هذا أو ذاك.

لم يأت هذا الأمر من فراغ، بل إن مبرراته كثيرةٌ لا تُعدّ، منها العامل الاقتصادي المتردي والذي يدفع بالإنسان للتمسك بأي خيط أمل يستطيع من خلاله الخروج من المآزق المالية اليومية والبطالة المتزايدة، ومنها الفشل المتكرر بأي مجال سواء كان دراسياً أو عاطفياً أو سياسياً أو…. الخ، ومنها هذه الحالة التي نحياها في مجتمعٍ كمجتمعنا نكبت الحرب كل مقومات الحياة فيه، فلم يعد لديه يقين ثابت، بل سيطرت حالة التبعثر والتشتت على مختلف مناحي الحياة، وصار من الضروري، للحفاظ على استمرارية الحياة، التشبث ببعض أمل، وهي حالة لا شعورية يعيشها الإنسان للدفاع عن بقائه حين يتعرض للمخاطر والأهوال والموت، وتحديداً في ظلّ غياب أي مصدر آخر يبث الروح في الأجساد الأشبه بالآلية والتي بات معظمنا على هيئتها، وفشل التنظيمات السياسية في تحقيق كل تلك الأحلام التي كانت قد وعدتنا بأنها ستصبح واقعاً، واتجاه البعض من التنظيمات الدينية إلى لعبة الموت ضماناً لجنةٍ في الآخرة، بينما في الواقع الحقيقي لا قدرة لها على درء أيّ خطر أو منع حدوث أيّة خسارة أو دمار سواء نفسي، مادي أو معنوي.

والمثير للقلق أكثر، أن أصحاب القرار يستخدمون برامج الأبراج ومثيلاتها للربح التجاري المحقق والسريع، فشركات الاتصالات على سبيل المثال تجني أموالاً طائلة من بحثنا عن بقية أمل نحيا به عبر بضع كلماتٍ يقولها لنا المتنبئ الفلاني أو عالمة الفلك الفلانية…

ربما يقول قائل إن هذا هراء ويحمل من السخافة الكثير، لكن البعض الآخر يرى به أسلوباً مناسباً ومريحاً له في التعامل مع حياته، فلكلٍّ منا وجهة نظره، إنما ما يجمعنا هو انعدام الثبات وزوال اليقين وحالة الضياع المستمرة والتبعثر اليومي الملازم لنا جميعاً…

 

العدد 1105 - 01/5/2024