العرض المسرحي (اختطاف).. مَن يختطف مَن؟!

 انطلق العرض المسرحي الكوميدي (اختطاف)، من إخراج أيمن زيدان المقتبس عن نص (الأبواق والتوت البري) للمسرحي (داريوفو)، في جولة عرض على عدة مسارح في عددٍ من المحافظات السورية ابتداءً بحمص. وقد دارت أحداث المسرحية في بيئة افتراضية وتحديداً في إيطاليا، حول تلاشي ما يُعرف بالدولة المؤسساتية العميقة، لصالح الطبقة المتنفذة الناتجة عن تحالف رجال السلطة مع أصحاب رؤوس الأموال.. وامتاز العرض بكونه مختلفاً على صعيد المادة البصرية التي تقدمها الشخصيات في هيئتها وجملتها الحركية على الخشبة، فقد اعتمد المخرج زيدان إضفاء ما يشبه الطابع الكاريكاتوري عليها، فجعلها أشبه بشخصيات أفلام الحاسوب بتقنية ال(ثري دي) مما أعطى نكهة خاصة للعرض.

تبدأ المسرحية بحديث حول مقتل رئيس الحكومة الايطالية على يد عصابة كانت قد اختطفته وهددت بقتله إن لم يُطلَق سراح بعض أفرادها الذين أودعوا السجن. ترفض الحكومة الإيطالية مساومة العصابة ولاحقاً يجري الحديث عن اختطاف رجل الأعمال الأهم في البلاد ويدعى (أجيلّي) من قبل ذات العصابة ذاتها التي طالبت بإطلاق سراح أعداد كبيرة من المجرمين مقابل إطلاق سراحه.

بينما حقيقة الأمر أن أجيلّي النرجسي المتنفذ عديم الإنسانية قد تعرض لحادث سيارة مروع تسبب له بحروق أزالت ملامح وجههِ وجعلته يفقد معظم ذاكرته وقد استعادها بالتدريج خلال العرض.. إلا أنه لم ينس مطلقاً احتقاره للكادحين وللعمل والكد. يعتقد الطاقم الطبي أن أجيلي هو عامل اسمه (أنطونيو) ويعيد تشكيل ملامح وجهه ليصبح نسخة عن أنطونيو.. يقوم عرض اختطاف على تتابع المفارقات.. تعتقد زوجة أنطونيو أن أجيلي هو زوجها، بينما أنطونيو الحقيقي مختبئ لخشيته أن تتهمه الشرطة بكونه متورطاً في اختطاف أجيلي.. وفي النهاية تلبي الحكومة الإيطالية شروط العصابة مقابل إطلاق سراح أجيلي، بينما حقيقة الأمر أن أجيلي اختلق أمر اختطافه كي يختبر مكانته لدى الحكومة الايطالية.. وقد أظهر العرض أن عامة الناس أرقام ومكمل لآلات مصانع المنظومة الإمبريالية العالمية، لا أكثر.

لم يكن في العرض المسرحي من بطل سوى الدستوبيا ذاتها، إذ تعجز أي شخصية عن كسب التعاطف المستدام، لأن الجميع أنانيون ويتصرفون وفق مصالحهم وأهوائهم، وكأنه قدر لهم أن يكونوا نبتاً لا يمكن إلا أن ينمو خبيثاً ما داموا قد نشؤوا في تربة رأسمالية إمبريالية.
أبدع المخرج زيدان في استثماره للفضاء المسرحي برمته لخدمة وتعزيز دور شاشات العرض التي استعان بها، وقدم كلٌّ من الممثل لجين إسماعيل (في دور أنطونيو، ودور أجيلّي) والممثلة لوريس قزق (في دور زوجة أنطونيو) أداءً متميزاً رشيقاً أضفى على العرض حيوية وألقاً، فقد نجح كلٌّ منهما في تجسيد ردود أفعال الشخصية عبر لغة جسد مازجت بين ما هو عالمي وما هو محلي، مما جعلها تنجح في إضحاك الجمهور.

ترك عرض اختطاف سؤالاً في أذهاننا: (مَن يختطف من؟!) وقد تعددت مستويات الاختطاف في العرض ابتداءً من اختطاف الغرائز والفتاة اللعوب للرجال من زوجاتهم، واختطاف عصابات الجريمة المنظمة (المافيا) للشارع من يد السلطات، واختطاف الطبقة المتنفذة للقرار من يد الشعب وسلطات الدولة، وفي نهاية العرض يظهر اختطاف الرأسمالية العالمية لمصير الوطن وجميع من فيه.

بطاقة العرض:

تمثيل: لجين إسماعيل، لوريس قزق، أنطوان شهيد، خوشناف ظاظا، نجاح مختار، توليب حمودة.

إعداد: أيمن زيدان، محمود جعفوري.

ديكور: علي فاضل.

موسيقا: سمير كويفاتي.

مساعد مخرج: خوشناف ظاظا.

الإضاءة والمواد البصرية: أدهم سفر.

الأزياء: البلاستيكية (تصميم: ريم الشمالي)

والأقنعة المجعدة ماكياج: خولة الونوس.

 

العدد 1107 - 22/5/2024