هل الولايات المتحدة جادة في البحث عن حل سياسي للمأساة السورية؟

 في ملتقى اجتماعي ضم مختلف المشارب والفئات والطبقات الاجتماعية، طرحتُ السؤال التالي: من يعتقد أن الولايات المتحدة جادة في البحث عن حل سياسي لما يسمى الأزمة السورية؟

وكانت الأجوبة جميعاً تنفي ذلك! إن النسبة العظمى من أبناء الشعب السوري يعتقد جازماً أن الولايات المتحدة تراوغ وتكذب بشأن الحل السياسي في سورية، فماذا تريد إذاً؟ والسؤال يتضمن: ماذا تريد إسرائيل أيضاً، فالتوافق الأمريكي الإسرائيلي بشأن المأساة السورية لا يحتاج إلى برهان.

إن الأحداث الدامية التي تعرضت لها سورية  خلال السنوات الأربع ونصف الماضية كشفت لأبناء الشعب السوري صغيره وكبيره وبشكل لا يدع مجالاً للشك أن أمريكا وإسرائيل تريدان تدمير الدولة السورية وبنيتها الاقتصادية وتمزيق نسيجها السياسي والاجتماعي، هذا أصبح واضحاً للجميع، لكن الهدف غير المعلن الذي لا تذكره وسائل الإعلام الغربية وأعوانها هو: أنها تريد أيضاً استهداف مؤسسة الجيش العربي السوري كقوة قادرة على حفظ كيان الدولة السورية أولاً، وإمكانيتها على تهديد أمن إسرائيل والدول الإقليمية السائرة بركابها ثانياً، خاصةً سلاح الصواريخ الاستراتيجية التي لم يستخدمها الجيش السوري على الإطلاق حتى الآن. ويبدو أن الأهداف غير المعلنة لهذه الحرب القذرة التي أسموها الربيع العربي والتي لا تسلط عليها أضواء الإعلام المعادي لسورية كثيرة، فعدا تدمير الجيوش الوطنية لدول المنطقة (السوري، المصري، اليمني، الجزائري)، هناك أهداف تتعلق بمصالح استراتيجية اقتصادية للنظام الإمبريالي العالمي لا تتحقق إلا بقيام حكم عميل خاضع تماماً للإرادة الأمريكية في سورية، يسهل تقسيمها إلى كيانات طائفية دينية متصارعة وضمها إلى بنية النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي، والهدف النهائي هيمنة الشركات النفطية المتعددة الجنسيات على المنطقة للسيطرة على تجارة النفط العالمية عبر السيطرة على طرق إمدادها، إذ لا يخفى على أحد أهمية الموقع الجيوسياسي الاستراتيجي لسورية، ولن تتوقف أمريكا وإسرائيل عن دعم الإرهاب عملياً تحت مختلف الذرائع والحجج إلا عندما تكسر الجيش السوري وتشل قدرته العسكرية. وإصرار السعودية في مباحثات موسكو الأخيرة على إزاحة الرئيس الأسد كشرط للحل السياسي يأتي في هذا الباب، فاستمرار وجوده مع كبار ضباطه على رأس جيشنا الباسل، يعزز صمود هذا الجيش وقوته وقدرته القتالية، مثلما يعزز تماسك الشعب السوري ووحدة أرضه ووطنه.

صحيح أن المعركة أكبر من أن يحدد نتائجها شخصٌ واحد أياً كان، لكن مقام رئيس الجمهورية العربية السورية هو رمز سيادتها واستقلال قرارها وصمود دولتها، والشعب السوري الذي أكد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة تمسكه برئيسه رمزاً لوحدته، وأكد لاشرعية جحافل الإرهابيين، ووقف وراءه أمام وحشيتهم وعمالتهم وارتباطهم بالخارج، لا يقبل بحال أن يُفرض عليه رئيس لا يمر عبر صناديق اقتراعه.

ثم إن آل سعود ليسوا في وضع يسمح لهم بإملاء شروطهم، وعمالتهم وحماقتهم التي ورطتهم بدم الشعب السوري ثم بدم أخوه الشعب اليمني، ستوصلهم إلى وضع سيقبـّلون فيه الأيدي والأرجل باحثين عمن يخلصهم من ورطتهم!

وتبقى أمريكا تكذب حتى على حلفائها وأذنابها لتصل إلى أهدافها الحقيقية ولكن هيهات! فالزمن الذي كانت فيه تخطط وتنفذ في العالم كيف ما يحلو لها قد ولّى إلى غير رجعة، هناك الآن أقطاب جديدة صاعدة تعبر عن شعوب دفعت الكثير حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، ولا يمكن لعجلة التاريخ أن تعود إلى الوراء.

العدد 1104 - 24/4/2024