كي لا ننسى..رشيد كرد.. الشاعر المرهف والمناضل الشيوعي الذي يجب أن يبقى في الذاكرة (1910- 1968

ولد عام 1910 في قرية روشات التابعة لديريك، حصل على الشهادة الإعدادية بامتياز، ودخل معهد دار المعلمين عام 1930 في قونية، وجرى تحوله إلى مناضل ثوري في هذا المعهد.

اعتقل في تركيا نتيجة نشاطه الثوري وأودع السجن، وقد تمكن من الفرار، ولكن قُبض عليه مجدداً وأودع السجن ثانية، وصدر بحقه حكم بالإعدام، بيد أنه استطاع الهرب مرة ثانية.

واعتقل أيضاً في كردستان العراق، وحُكم عليه ثانية بالإعدام، ولكنه استطاع الهرب مرة ثالثة.. وأخيراً استقر به المقام في سورية في بلدة عامودا التي كانت في ذلك الوقت مركزاً وملجأ للمناضلين والثوريين، وللنشاطات السياسية والثقافية في المنطقة كلها.

ولقد ساهم أثناء ذلك في العمل الصحافي، وأصدر مجموعة من القصائد تحت اسم (جوني رش)، وبعد ذلك أصدر ديوانه الشعري (القافلة – كروان)، الذي طبع في السويد وفي تركيا.

لقد كتب المناضل رشيد كرد الشعر والقصة، ولكنه أبدع لغوياً في اللهجة الكردية الكرمانجية ومساهماته واسعة في صياغة قواعد اللغة الكردية.

وفي عام 1948 انتسب في مدينة عامودا إلى صفوف الحزب الشيوعي السوري، وقد اعتقل مرات عديدة في أعوام الانقلابات العسكرية الديكتاتورية في سورية، وزُجّ به أكثر من مرة في سجن تدمر العسكري، وأحيل إلى المحاكم العسكرية، إلا أنه كان يزداد صلابة وإيماناً بصوابية الطريق الذي اختاره.

في أواخر عام 1958 لاحقه عناصر المكتب الثاني، فاضطر للجوء إلى العراق، ولكن ما لبث أن اكتُشف أمره فألقي القبض عليه وسلّم إلى مخابرات عبد الحميد السراج سيئة الصيت في مدينة القامشلي.

عذّب بوحشية، ورُحّل إلى سجن المزة برفقة شرطي تعاطف معه، وفسح المجال له أكثر من مرة للهرب، إلا أنه رفض ذلك، لأنه كان يعرف مسبقاً أنه سيعرض هذا الشرطي للمساءلة والعقوبة.. ومن تموز عام 1959 إلى نهاية عام 1961 بقي رشيد كرد في سجن المزة رافعاً راية الحزب عالياً، ولم تلن عزيمته، ولم تكسر شوكته رغم جميع أساليب التعذيب.

بعد خروجه تابع رشيد كرد نضاله في صفوف الحزب دون تردد، واعتقل عدة مرات، ولكن إيمانه وثقته بالمستقبل كانت تتعزز أكثر فأكثر.

أصيب رشيد كرد، وهو الذي دخل أكثر من سجن لقاء أفكاره، بمرض التهاب الكبد، ولم يكن هناك أي أمل بشفائه، وفي 20 كانون الثاني عام 1968 فارق الرفيق رشيد الحياة.

في حرب حزيران عام 1967 توجه إلى مدير ناحية عامودا طالباً منه تزويده بالسلاح، وهو الشيخ المسن للدفاع عن الوطن، الأمر الذي أثر على المدير تأثيراً عاطفياً عميقاً.

خاض رشيد كرد جميع معارك المزارعين الطبقية ضد رموز الإقطاع، وكان يتميز بالشجاعة وحبه لرفاقه وللناس، ومساعدة الآخرين في جميع المجالات، وكان يحض الرفاق على التعلم.

كان أديباً يكتب بالكردية والتركية، ومتمكناً في اللغة الفرنسية، ومجيداً للعربية، وملماً بعض الشيء باللغة الإنكليزية. كان موقفه من المسألة القومية مبنياً على أرضية إنسانية، وربط حل المسألة القومية الكردية بحل المسألة القومية العربية وبالمسألة الديمقراطية.. كان أممياً ووطنياً بامتياز.

تعرفت إليه عام 1959 في سجن المزة، كان معنا في المهجع نفسه، لم تكن هيئته النحيلة وشعرات الشيب التي تكلل رأسه توحي بالانطباع أن هذا الرجل الشفاف ذا المظهر الطفولي يخفي وراءه هذا التراث النضالي الكبير وهذه الصلابة الروحية التي لا تقهر.

في إحدى الليالي كنا نجلس مجموعة من الرفاق، وكان يشاركنا الجلسة أحد رفاقنا الأرمن: حنا أصلان (أبو آرام) الذي يجيد الأرمنية والعربية والكردية إجادة كبيرة. توجهنا إليه: أيها الرفيق أبو آرام، ألا تستطيع أن تترجم لنا نُتفاً من أشعار رفيقنا العزيز أبو جومرد (رشيد كرد)؟ تجاوب معنا وترجم لنا شفوياً بعض المقطوعات التي ألقاها علينا الشاعر.. وكم كانت مفاجئة لنا.. لقد عبرت هذه المقطوعات عن موهبة كبيرة تنتظر من يطلقها للعالم.

أشهراً كثيرة عشناها معاً مع هذا الشاعر والمناضل، المليء بالتواضع.. لم يكن يتحدث عن نفسه مطلقاً، ولم يكن يحب المديح والإطراء، وكنا عندما نتحدث عنه يخجل كطفل.. كان إيمانه بقضيته كبيراً، ويعيشها كأنها سنتنصر غداً.. وكنا نستلهم منه الصلابة التي كنا بأحوج ما نكون لها، وسنبقى نستلهم منك الإنسانية والثقة بالمستقبل والتطور والحركة المستمرين دائماً وأبداً.

العدد 1105 - 01/5/2024