لا بديل عن الحوار السوري ـ السوري … فهو الكفيل بإخراج الوطن من الأزمة بأقل التكاليف

 غالبية الشعب السوري في حالة انتظار، منهم من ينتظر العودة إلى دياره التي هُجّر منها، ومنهم من ينتظر انتهاء الأزمة، وعودته من ساحات القتال إلى حياته الطبيعية، ومنهم من ينتظر عودة أبنائه من الغربة ومن المعارك، والجميع بحالة انتظار نهاية الحرب اللعينة التي فرضتها قوى العدوان، ودمرت الإنسان السوري تدميراً مرعباً على كل الأصعدة.

من لم يدمَّر وجودياً جرى تدميره اقتصادياً ومعنوياً وسياسياً، حتى أصبحت غالبية المجتمع في حالة حطام حقيقية، باستثناء بعض المنتفعين، وتجار الأزمات الذين يمارسون أبشع الأعمال بحق أبناء الشعب السوري المنكوب، والجميع يعرف ماذا يفعلون، ولا يستطيع أحد مواجهتهم، لأسباب يعرفها الجميع.

والسؤال الذي يُطرح هنا:
إلى متى الانتظار؟ هل ينتظر السوريون كما انتظر الشعب الفلسطيني؟ أو ينتظرون نتائج قرارات جنيف التي تذكّر بالمحكمة الدولية التي تحقق بمقتل الحريري أو محاكمة البشير!.

ما هو سر تقاعس القوى الوطنية السورية، المتمثلة بالأحزاب والتيارات التي تمارس نشاطها على الأرض السورية، وتدعو إلى الحل السياسي بعيداً عن الضغوط الدولية أو الإقليمية، ولا تفعل شيئاً من أجل الإسراع بانطلاق العملية السياسية؟ وهي تنتظر أيضاً! وما هو سر إهمال السلطة السياسية لعدم التشجيع على تشكيل مراكز للحوار بين أبناء الوطن الواحد، الذي يعتبر العتبة الحقيقية لوضع الأزمة السورية على الطريق الصحيح باتجاه الحل، بعيداً عن التأثيرات الخارجية التي تريد إدارة الأزمة وليس حلها؟!

هل يعقل أن ينتظر جميع السوريين الذين يعانون الجوع والفقر والتهجير، حتى يقرر ديمستورا انعقاد جلسة في جنيف تستمر أسبوعاً أو أسبوعين، دون أية نتائج تذكر؟ مع المزيد من الاستعراض، أمام الكاميرا وشاشات التلفزة، من قبل رؤساء الوفود والمنصات، إضافة إلى وضع العراقيل أمام الحلول.

ماذا يحصل لو قرر السوريون معارضة وموالاة الانتقال من حالة الانتظار المقيتة إلى دائرة الفعل؟

وهل يخسر الوطن إذا تقدمت العديد من النخب السياسية، ومن كل الاطياف الوطنية، لإطلاق عملية سياسية يشارك فيها جميع أبناء الوطن في الداخل، وتوجيه دعوات لمن يريد الحضور من الأطراف الذين يقيمون في الخارج والتشاور معهم، ومشاركتهم بإطلاق العملية السياسية؟ فلا يمكن حل الازمة السورية دون إطلاق عملية سياسية تشاركية وبمسؤولية وطنية عالية.

فهل تستمر هذه القوى بالانتظار؟ أو تسعى لمحاولة التنسيق فيما بينها من أجل إطلاق مبادرة للبدء بالحوار بمن يحضر، بغية إيجاد حل سياسي للأزمة.

لابد من الانتباه إلى أن الجهة الحقيقية التي تستطيع أن تطلق الحوار هي السلطة، التي بيدها جميع المفاتيح، وهي القادرة على تهيئة الظروف لجمع الطاقات الوطنية من أجل البدء بالإعداد لمؤتمر حوار وطني تشارك فيه جميع القوى الوطنية المؤتمنة من قبل معظم فئات الشعب السوري.

فهل تنتظر السلطة أيضاً؟! ومن تنتظر!؟ وما هو السبب الحقيقي خلف هذا الانتظار؟

وما الذي يمنع جميع القوى من المبادرة، وعلى رأسهم السلطة؟

إن انطلاق الحوار بين الأطراف المختلفة، هو الوسيلة الحضارية التي يعتمدها العقلاء في حل خلافاتهم داخلياً وخارجياً.

إن لغة العقل هي اللغة الكفيلة بإسكات صوت الرصاص، والتي تقوم بعملية الفرز بين الأطراف المختلفة بين من يريد الوطن وحمايته، ومن يريد ارتهانه للقوى الطامعة به.

إن المحاولات التي قامت بها بعض القوى بتشكيل منصّات حوار داخلي، تنطلق من المناطق والمحافظات، بغية تشكيل مؤتمر مركزي في دمشق، هي في الاتجاه الصحيح، ويجب على الجميع دعم هذا التوجه وتقديم التسهيلات له، سواء من قبل السلطة أو من قبل الدول الداعمة لخيارات الشعب السوري في تقرير مصيره، وعلى رأسهم الأصدقاء في روسيا الاتحادية.

إن المسارات الخارجية بمجملها لن تعبر عن تطلعات ورغبات الشعب السوري، الذي يريد دولة علمانية ديمقراطية، يتساوى فيها الجميع دون تمييز (دولة المواطنة الحقيقية)، ولن تتحقق هذه الرغبة إلا بمشاركة واسعة من أبناء الوطن السوري الأحرار.

إن معظم الحاضرين في جنيف غير مؤتمنين على تحقيق ما يريده السوريون، بسبب الرعاية الإقليمية والدولية لأولئك الذين اعتادوا على التعامل مع الدولار والريال.

 

العدد 1105 - 01/5/2024